تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بحور لم يؤصلها الخليل - الخبب]

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 12:01 ص]ـ

بحْرُ الخَبَب*

(مثلّث برمودا العَروض)

(حمار الشعر والغناء)

في العروض التقليدي -وليس الخليلي- هو البحر السادس عشر من بحور الشعر العربي، ولكنه -مع ذلك- بحرٌ غامضُ الحدود، غائمُ المعالم، لا تزال تصطَرِعُ حوله الآراءُ وتحتدّ، ولا زال العروضيون -منذ وَضْعِه- يخبطون فيه على غير هدى. إذْ يُجْمع الكثير منهم على أن الأخفشَ، سعيد بن مسعدة (-215هـ) هو الذي تداركه على الخليل (-175هـ). ويقول آخرون: إنّ الخليلَ قد عَرَفَه، وألَمَّ به، ولكنه أعرضَ عنه لقلّته أو لشذوذه، أو لكونه "مخالفًا لأصوله". في حين يدّعي آخرون أنه "أقدم من الرجز"!

ويُعتبر الخببُ أشهرَ الأوزانِ العربيةِ المسْتَدْرَكَةِ على إيقاعات الشعر العربي وأعذَبِها، وذلك على الرغم من خروجِه عليها، وشذوذِه عن جميع قوانينها. حيث استقبله الكثير من الشعراء -قدماءَ ومحدثين- بالرضى والقبول، وجذَبَهم إيقاعُه الجميل، فكتبوا عليه أرقَّ القصائد وأجملَها.

فالخبب إيقاعٌ راقص، في حركته خِفَّةٌ وسرعةٌ يدلُّ عليها اسمُهُ، الذي أُطْلِقَ عليه تشبيهاً له برَكْضِ الخيل. وقد أشار أبو الحسن العروضي (-342هـ) إلى عذوبته في السمع، وصحّته في الذوق، وأنَّ " الشعراءَ [في عصره] قد أكثرت من ركوبِ هذا الوزن".

كما ازداد اهتمامُ المحْدَثين بهذا البحر حتى أصبح " من أكثر الأوزان انتشاراً في الشعر الجديد". بل إنّ للخبب طغيانٌ جارفٌ في الأغاني الفصيحة والعامية، وأغاني الأطفال العربية وغير العربية. مما يدل على غِناه الموسيقي، وملاءَمَتِهِ للأذواق الحديثة!. فإذا كان الرجز هو (حمار الشعر) قديماً، فالخببُ اليوم هو (حمار الشعر والغناء) معاً.

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 12:18 ص]ـ

ومع ذلك فقد وصفه المعرّي بقوله: " ركْضُ الخيل وزنٌ رَكيك"، " ضَعُفَ وهجَرَتْه الفحول في الجاهلية والإسلام، وربّما تكلّفَهُ بعضُ الشعراء ". وتابعه على ذلك عدد من المحْدَثين؛ فذكر د. طه حسين أنَّ موسيقاه " الراقصةَ .. لا تصْلُحُ لقصيدةٍ ذاتِ مضمونٍ جادّ". ووصفه الحسّاني عبد الله بأنه:" ضَرْبٌ خسيسٌ من المتدارك "! و" بدائيٌّ لايستطيع أن يلبّي الحاجات النفسية والفكرية التي يلبّيها بحرٌ كالطويل ". كما وصفه د. عبد الله الطيب بقوله: " الخبب بحرٌ دنيءٌ للغاية، وكلّه جَلَبَةٌ وضجيج ". بل وصفه د. عشري زايد "باضطراب الموسيقى "!!.

ولست أدري لماذا يطلبونَ من وزنٍ، ما يطلبونَهُ من سواه؟! وهل على الوزنِ -أيّاً كان- أنْ يُلبّي الحاجاتِ النفسيةَ والفكريةَ التي يلبّيها بحرٌ كالطويل؟! أم أنَّ لكلِّ وزنٍ خصائصه التي تلبّي نوعاً من الحاجات النفسية والفكرية للشاعر؟. وأظنني لست بحاجةٍ للتأكيد على أنَّ (للمقتَضَبِ والمجتَثِّ ومجْزوأَيْ الرّمَل والخفيف) -كما للخبب- متطلباتها النفسيةَ والفكريةَ الخاصة، والتي يُقدِّرُها الشاعرُ دونَ سواه. ولهذا الوزن أسماء عديدةٌ أخرى، تربو على أربعة عشر اسماً، كالغريب والمتسق وركض الخيل، والْمُحدَث والمشتق وقطر الميزاب، والمختَرَع، والمتقاطر، والرّكْض، والمُتَداني، والشقيق، وضرب الناقوس.

إلاّ أنّ (الخببَ) هو أوفَقُ أسمائه، لأنه يُصوّرُ إيقاعَ هذا البحر لفْظاً وحَرَكة. يقول المعرّي: "وقد تأمّلتُ عَدْوَ الخيل، فوجَدْتُ هذا الوزنَ يُشابِهُ التقْريبَ الأعلى والتقريبَ الأدنى، على حسب عجَلَةِ المُنْشِدِ وتَرَسُّلِه، وهما تقريبان: أحدهما الثعلبيّة، والآخر هو الذي يسمى الإرْخاء، وكلاهما إذا سمعْتَهُ أدّى إلى سمعِكَ هذا الوزنَ بعيْنِه، وذلك أنّ الفَرَسَ يضربُ بحوافرِه الأرضَ ثلاثَ ضرباتٍ متوالياتٍ ثمّ يَثِب، فيكون ضَرْبُ الأرضِ موازياً لثلاثةِ أحرفٍ متحركاتٍ، ويكونُ وثْبُهُ موازياً للسكون ".

ولا يُعْلم بالضبط أوّلُ مَنْ أطلقَ على هذا الوزن اسمَ (الْخَبَب)، ولكن ربما كان ابن رشيق (-456هـ) أوّلَ عَروضيٍّ معروفٍ سجّل هذا الاسم، بقوله عن المتدارك: " وهو الذي يُسمّيه الناس اليوم الخبب ".

وقد ورد هذا الاسم أيضاً لدى معاصره؛ الحصري القيرواني (-488هـ)، أشهر شعراء الخبب، بقوله من ذات القصيدة المشهورة:

ما أجْوَدَ شِعْريَ في (خَبَبٍ) =والشّعْرُ قليلٌ جَيّدُهُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير