[المعيار في اختيار البحور التي يبتدأ بها فك الدوائر]
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[29 - 01 - 2009, 12:49 ص]ـ
لماذا حدد الخليل بحرا معينا يُُبتدأ به لفك كل دائرة من دوائره الخمس؟ أفلم يكن أقرب له أن يعتمد الخط المستقيم بدلا من الدائرة، ثم ومن خلال عملية تقليب هذا النسق المستقيم، وعلى نحو مما جرى عليه في حصره لمفردات اللغة أجمع باستخدام التباديل والتوافيق، تخرج له بحور الشعر مستعملها ومهملها، تماما كما رأينا أثر تلك الطريقة في كتاب العين حيث لا توجد كلمة معينة يلزم الفك منها وإنما هي في مجال هذا التقليب كلها سواء بسواء.
أليس يعرف على أساس مبدأ الخط المستقيم ترتيب كل بحر حسب ترتيب مكوناته في النسق من غير ما تدخل من واضعه؟ فأما واضع الدائرة، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أن غرضه منها هو تحقيق المساواة بين بحورها في الأهمية، تماما كما هو الحال في اختيار شكل المائدة المستديرة لكي لا تكون لبعض البحور الأهمية على بعض.
غير أن الخليل لم يصرح، كعادته أو بسبب من ضياع كتابه، بغرضه من تحديد رئيس معين يجلس في الصدارة من تلك المائدة المستديرة، أي لم يحدد غرضه من مبتدأ فك البحور من دوائره. وهنا رأينا العروضيين يجتهدون ويختلفون فيما بينهم في معرفة قصد الخليل من هذا التحديد. ولقد أورد الدماميني في الغامزة رأيا وجيها في قوله: "فإن قلت: المستقر عندهم (أي العروضيين) أن تبدأ كل دائرة بما كان من أبحرها مصدّرا بوتد مجموع لقوته فيجعل أصلا لتلك الدائرة وتفك البحور الباقية منه، وهذه الدائرة (دائرة المشتبه) من جملة أبحرها المستعملة بحر المضارع، وهو مصدّر بوتد مجموع إذ وزنه
(مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن) فما بالهم لم يجعلوه أصلا لهذه الدائرة بل عدلوا عن ذلك وجعلوا أصلها بحر السريع، قلتُ أجابوا عن ذلك بأن الجزء الأول من المضارع معلول فرُفِض البدء به لهذا. ورده الصفاقسي بأن لزوم إعلال المضارع في الاستعمال لا في الدائرة، والعبرة في الفك بما في الدائرة، ثم كلّ من الإعلال والبدء بالسريع مخالف للقياس، فلم يُرفض أحدهما ويُرتكب الآخر؟ قال: والأولى عندي أن يقال إن المضارع لما قل في كلامهم صار كالمهمل، ولذا أنكره الزجاج، والمهمل لا يكون ابتداء الفك منه، فكذا ما أشبهه، فابتدأ حينئذ بالسريع لخفته وحسن ذوقه.
قلتُ: لا نسلم أن قلة المضارع تصيّره كالمهمل ولا أن إنكار الزجاج له يصيّره أيضا في حكم المهمل، كيف والخليل، رحمه الله، هو الذي جعل أول هذه الدائرة بحر السريع وعدل عن ابتدائها بالمضارع، فهل يحسن مع ذلك أن يقال إن الخليل رأى إنكار الزجاج للمضارع يصيره كالمهمل فلم يبدأ الدائرة به؟ هذا ما لا يُتصور أن يقال. وقد أفدنا من كلام الدماميني والصفاقسي أنه لا مشكلة في تحديد مفاكّ دوائر المختلف والمؤتلف والمجتلب والمتفق وذلك لأن بعض أبحرها مُصَدّر بوتد مجموع؛ وإنما الخلاف في أحقية من يتصدر دائرة المشتبه أهو السريع كما يرى الخليل وجمهور العروضيين بغير ما سبب ظاهر لهذا الاختيار يتجاوز الخفة وحسن الذوق، أم هو المضارع كما يرى المحلي والشنتريني قياسا على باقي الدوائر وتحديا للخليل صانع هذه الدوائر.
ويبقى السؤال قائما، لماذا لم يطبق الخليل القياس عندما اختار السريع رئيسا لتلك الدائرة المشتبهة ولم يلتفت للمضارع؟
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[29 - 01 - 2009, 02:18 ص]ـ
.. عندما يبدأ العروضي في الطويل ثم يسير في فك الدائرة .. تأتي إليه البحور الأربعة الباقية سواء المستعمل منها أم المهمل .. :
الطويل
المديد
المستطيل
البسيط
الممتد
.. و نلاحظ هنا أن المستطيل مقلوب الطويل كما أن الممتد مقلوب المديد و أيضا المديد مقلوب البسيط .. و هنا نرى الطويل و المستطيل و كل منهما يبدأ بوتد .. و لو كان المستطيل ليس مهملا لكان ترتيبه الثالث و لكنه مهمل و الممتد أيضا مهمل .. فأصبح الباقيين هم [الطويل ـ المديد ـ البسيط] .. و تقدم الطويل لأنه بدأ بوتد مجموع .. و إذا كانت الصدارة للبحر الذي يبدأ بوتد .. لنفرض أن عروضيا ما أراد ترتيب البحور سواء كانت مستعملة أم مهملة .. فسوف يكون الترتيب هو ما ذكرته في الأعلى فسوف يتقدم المديد على المستطيل .. في الحقيقة خطر في بالي هذا السؤال الذي تفضلت به من تقديم السريع على باقي البحور .. و لماذا السريع بالتحديد .. ؟ .. و لكن عدم اهتمام أغلب العروضيين في الدوائر هو سبب عدم وجودي للإجابة .. لقد ذكر السكاكي سببا آخر لتقدم المضارع ولعل السكاكي هو الوحيد الذي انفرد بهذا السبب .. يقول السكاكي:
.. [و اما تقديم السريع، فلأن دائرته تضمنت وتدا مفروقا، بخلاف سائر الدوائر، وارتكاب المخالف لا يصار إليه إلا لعذر، و أنه في السريع أكمل منه في غيره، لأن أركان السريع ممتنع أن تؤلف، على وجه من الوجوه، تأليفا يخرج الوتد المفروق عن كونه مفروقا إلى كونه مجموعا، أو سببا خفيفا، بخلاف ما سواه، فتأمله، فيلزم تقديم السريع. و أما استدعاء المضارع فيها للتقدم، بجهة أن ركنه الاول أتم، فضعف للزوم النقصان له في الأجزاء حين لا يستعمل إلا مجزوءا مراقبا.] انتهى كلام السكاكي
.. و يقول في تقديم الوافر:
[و أما الكامل فإنما يؤخر عن الوافر، لأن صحة إضماره يبرز في معرض ما ركنه الأول سبب خفيف حكما، و صحة إجراء الخبن عليه منبه على ذلك، و كذا امتناعه عن الخرم امتناع ما أوله سبب خفيف، على الرأي الصواب، ولا يقف على هذا إلا النحوي المتقن، حيث لا يبنى على السكون الضمير في: غلامك أو: التصريفي الماهر، حيث لا يجوز الإلحاق بالألف في حشو الكلمة] .. انتهى كلامه .. :)
¥