تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالتفَتَ الوالي الى الغُلامِ وقال: تبّاً لكَ منْ خِرّيجٍ مارِقٍ. وتِلميذٍ سارِقٍ! فقالَ الفَتى: برِئْتُ منَ الأدَبِ وبَنيهِ. ولحِقْتُ بمَنْ يُناويهِ. ويقوّضُ مَبانِيهِ. إنْ كانتْ أبياتُهُ نمَتْ الى عِلْمي. قبلَ أن ألّفْتُ نظْمي. وإنّما اتّفقَ تواردُ الخَواطِرِ. كما قدْ يقَعُ الحافِرُ على الحافِرِ. قال: فكأنّ الواليَ جوّزَ صِدْقَ زعْمِهِ. فندِمَ على بادِرَةِ ذمّهِ. فظَلّ يُفكّرُ في ما يكْشِفُ لهُ عنِ الحقائِقِ. ويميّزُ بهِ الفائِقَ. منَ المائِقِ. فلمْ يرَ إلا أخْذَهُما بالمُناضَلَةِ. ولزّهُما في قرَنِ المُساجَلَةِ. فقالَ لهُما: إنْ أرَدْتُما افتِضاحَ العاطِلِ. واتّضاحَ الحقّ منَ الباطِلِ. فتَراسَلا في النّظْمِ وتبارَيا. وتَجاوَلا في حلبَةِ الإجازَةِ وتجارَيا. ليهْلِكَ منْ هلَكَ عنْ بيّنَةٍ. ويحْيا مَنْ حَيّ عنْ بيّنَةٍ. فقالا بلِسان واحِدٍ. وجَوابٍ متوارِدٍ: قدْ رضينا بسَبْرِكَ. فمُرْنا بأمرِكَ. فقال: إني مولَعٌ من أنواعِ البَلاغَةِ بالتّجْنيسِ. وأراهُ لها كالرّئيسِ. فانظِما الآنَ عشَرَةَ أبياتٍ تُلحِمانِها بوَشْيِهِ. وتُرَصّعانِها بحَلْيهِ. وضمِّناها شرْحَ حالي. معَ إلْفٍ لي بَديعِ الصّفَةِ. ألمَى الشّفَةِ. مَليحِ التّثَنّي. كثيرِ التّيهِ والتّجَنّي. مُغْرًى بتَناسي العهْدِ. وإطالَةِ الصّدّ. وإخْلافِ الوعْدِ. وأنا لهُ كالعَبْدِ. قال: فبرَزَ الشيخُ مُجَلّياً. وتلاهُ الفَتى مُصَلّياً. وتجارَيا بيْتاً فبَيْتاً على هذا النّسَقِ. الى أن كمُلَ نظْمُ الأبياتِ واتّسَقَ. وهيَ:

وأحْوَى حَوى رِقّي برِقّةِ ثغْرِهِ=وغادَرَني إلْفَ السُّهادِ بغَدْرِهِ

تصدّى لقتْلي بالصّدودِ وإنّني=لَفي أسرِهِ مُذْ حازَ قلبي بأسْرِهِ

أصدّقُ منهُ الزّورَ خوْفَ ازْوِرارِهِ=وأرْضى استماعَ الهُجرِ خشية هجْرِهِ

وأستَعْذِبُ التّعْذيبَ منهُ وكلّما=أجَدّ عذابي جَدّ بي حُبّ بِرّهِ

تَناسى ذِمامي والتّناسي مذَمّةٌ=وأحفَظَ قلْبي وهْوَ حافِظُ سِرّهِ

وأعجَبُ ما فيهِ التّباهي بعُجْبِهِ=وأكْبِرُهُ عنْ أنْ أفوهَ بكِبرِهِ

لهُ منّيَ المدْحُ الذي طابَ نشْرُهُ=ولي منهُ طيُّ الوِدّ من بعْدِ نشْرِهِ

ولوْ كان عدلاً ما تجنّى وقد جَنى=عليّ وغيري يجتَني رشْفَ ثغرِهِ

ولوْلا تثَنّيهِ ثنَيْتُ أعنّتي=بِداراً الى منْ أجْتَلي نورَ بدرِهِ

وإني على تصْريفِ أمري وأمرِهِ=أرى المُرّ حُلواً في انقِيادي لأمرِهِ

فلمّا أنشَداها الوالي مُتراسِلَينِ. بُهِتَ لذَكاءيْهِما المُتعادِلَينِ. وقال: أشهَدُ باللهِ أنّكُم فرْقَدا سماءٍ. وكزَنْدَينِ في وعاءٍ. وأنّ هذا الحدَثَ ليُنْفِقُ ممّا آتاهُ اللهُ. ويستَغْني بوُجْدِهِ عمّنْ سِواهُ. فتُبْ أيها الشيخُ منِ اتّهامِهِ. وثُبْ الى إكْرامِهِ. فقالَ الشيخُ: هيهاتَ أن تُراجِعَهُ مِقَتي. أو تعْلَقَ بهِ ثِقَتي! وقدْ بلَوْتُ كُفْرانَهُ للصّنيعِ. ومُنيتُ منهُ بالعُقوقِ الشّنيعِ. فاعتَرَضَهُ الفتى وقال: يا هذا إنّ اللّجاجَ شؤمٌ. والحنَقَ لؤمٌ. وتحقيقَ الظِّنّةِ إثمٌ. وإعْناتَ البَريء ظُلمٌ. وهَبْني اقترَفْتُ جَريرةً. أوِ اجتَرَحْتُ كَبيرةً. أمَا تذْكُرُ ما أنشَدْتَني لنفسِكَ. في إبّانِ أُنسِكَ:

سامِحْ أخاكَ إذا خلَطْ=منهُ الإصابَةَ بالغلَطْ

وتجافَ عنْ تعْنيفِه=إنْ زاغَ يوماً أو قسَطْ

واحفَظْ صَنيعَكَ عندَه=شكرَ الصّنيعَةَ أم غمَطْ

وأطِعْهُ إنْ عاصَى وهُنْ=إنْ عَزّ وادْنُ إذا شحَطْ

واقْنَ الوَفاءَ ولَوْ أخـ=ـــلّ بما اشترَطْتَ وما شرَطْ

واعْلَمْ بأنّكَ إن طلبْـ=ــتَ مهذَّباً رُمتَ الشّطَطْ

منْ ذا الذي ما ساء قـ=ــطُّ ومنْ لهُ الحُسْنى فقطْ

أوَمَا تَرى المَحْبوبَ والـ=ــمَكروهَ لُزّا في نمَطْ

كالشّوْكِ يبْدو في الغُصو=نِ معَ الجَنيّ المُلتَقَطْ

ولَذاذَةُ العُمرِ الطّويـ=ــلِ يَشوبُها نغَصُ الشّمَطْ

ولوِ انتقَدْتَ بَني الزّما=نِ وجَدتَ أكثرَهُم سقَطْ

رُضْتُ البَلاغَةَ والبَرا=عَةَ والشّجاعَةَ والخِطَطْ

فوجَدتُ أحسنَ ما يُرى=سبْرَ العُلومِ معاً فقطْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير