إذا ارتحلتْ عن منزل غادَرَت به=رَدَايا نعاج بالتُّراب ظعينُها
وهذا هو مختلف القوافي لأن ياء القافية إنَّما هي الحرف الَّذي يلحقه الإعراب، فالإعراب ربما كان ياء وربما كان واواً فلا تغترر بحرف تراه آخر البيت فربما بين القافية وبين آخر البيت حرف، وربما كان من الشعر ما يحتاج قافية كل بيت منه إلى أربعة أحرف لوازم لا بد منها، وإلاَّ لم يكن شعراً، فمن ذلك قول لبيد:
عَفَت الدِّيار محلها فمقامها=بمنًى تأبَّدَ غولها فرِجامُها
فالألف الَّتي قبل الميم ردف القافية والردف إذا كان ألفاً لم يصلح أن ينوب غيرها كما إذا كان الردف ياءً أو واواً نابت عنها صاحبتها، والميم هي القافية لأن الإعراب يقع ولا بد من الألف الأخير وإلاَّ جاء بعض القوافي مذكراً وبعضها مؤنثاً وبعضها مضموماً وهذا لا يصلح بحال. فكذلك لم يجز أن يكون في هذه الأبيات الَّتي ذكرناها ما يأتي قبل الهاء منه راء ولا يأتي قبلها منه ذال من قبل إن ما قيل: الهاء هو حرف القافية ولا بد للشاعر من لزوم الميم،
وقد جاء في الشعر ما هو أقبح من هذا كله فذلك أن هذه الأنواع الَّتي ذكرناها إنَّما هي عيوب يفهمها من يعلمها ويديرها والَّذي نحن إن شاء الله ذاكروه نفسه على عينة كل من سمعه:
قُبِّحتِ من سالفة ومن صُدُغْ
كأنَّها كُشْيَةُ ضَبّ في صُقُعْ
وقال آخر:
يا رب جعد فيهم لو تدرينْ
يضربُ ضَرب السّبط المقاديمْ
وبلغني أن رجلاً جاء إلى دعبل بن علي ليلاً فقال له: قد صنعتُ شعراً لم يتقدمني فيه أحد إلاَّ النابغة وأمثاله، ولا تحسنن أن تقول مثله، قال ما هو فأنشده:
إنَّ ذا الحُبّ سَقامٌ=ليس يُنهيه القَرارُ
ونَجَا من كانَ لا يع=شق من ذُل المخازي
قال دعبل: فقلت له ويحك قافية البيت الأول راء وقافية البيت الثاني زاي، قال: فقال لا تتعظ فيفطنوا،
قال: فقلت له فالأول مرفوع القافية والثاني مخفوض القافية. قال: فقال لي انظر إلى حمقه، أنا آمره لا ينقط وهو يشكل!!.
تحياتي إليك أخي الحبيب أحمد الغنام
والشكر موصول إلى جميع الأخوة المشاركين والمتابعين