لعل من المهم أن نعرف أن السبب الرئيس لظهور التفكيكية هو فشل المنهج الذي سبقها –وهذا غالبا ما يكون سببا في نشأة المناهج النقدية-؛ فالبنيوية فشلت في تقديم مشروع علمي مقنع لدراسة الأدب؛ إضافة لافتقاد البنيوية إلى شمولية التطبيق فما يصلح أن يطبق على نص ما قد لا يصلح لغيره.
من آليات التفكيكية:
يرى دريدا أن كل محاولة لإرجاع النص متعدد المعنى إلى بنية تحافظ على معنى واحد؛ فإن المحاولة محكوم عليها مباشرة بالفشل.
الحضور والغياب:
حينما يوافق دريدا على ما وضعه البنيوي (دي سوسير) في مسألة تداخل الوحدات اللغوية؛ فإنه يرفض بشدة الاكتفاء بالحضور، وإنما لا بد من الغياب!! فما الذي يريده دريدا؟
يريد أننا إذا قلنا أي كلمة، مثلا: (قلم)؛ فإننا نستطيع تحديد قيمتها بصورة معينة نقصد بها قلم معين، إلى هنا ونحن معه، ولكنه لا يكتفي بذلك إنما يريد أن يدخل الغياب؛ فلا نكتفي بالقلم صاحب القيمة الحاضرة، وليكن (قلم أزرق)؛ بل يريد أن يدخل كل الأقلام باختلافها، الموجود منها والغائب، بلا انقطاع وإلى مالا نهاية؛ مُحدثاً بذلك تفتيتاً للحضور أو تماثل المعنى! فالمعنى ليس حاضراً، بل مُرجأ –كما يحب أن يسميه دريدا في كتابه (مواقف position)-. وهو بذلك يطبق ميتافيزيقيا الحضور التي من المفترض أن لا يزج بها في النقد لأي نوع من أنواع الخطاب، إنما لها أن تبقى في الفلسفة فقط، ومتى ما أُدخلت الميتافيزيقيا في الأدب، أحالته إلى غموض وإبهام ممجوج.
اللعب الحر بالدوال:
فقد اتسعت الفجوة بين الدال والمدلول بفك الارتباط بينهما –ومصطلح فك الارتباط هو أساس التفكيكية-،لتحدث الدلالات المراوِغة الناتجة من اللعب الحر بالدوال. وإذا حدث ما قلته سابقا نتجت لنا فوضى عارمة مشكِّكة في كل ما حولها من وحدات لغوية، ومن ثم لا نهائية للدلالة والمعنى فتصبح كل قراءة للنص تفسد ما قبله، فالقراءة الأولية تفسد النص الأصلي، وما بعدها تفسد ما قبلها، وهكذا دواليك يريدون بذلك إخصاب معنى النص ودلالاته .. حتى لا يكون هناك مركز ثابت يتحقق فيه المعنى! فاستراتيجية التفكيك تدعو إلى هذا اللعب –الذي أفضل تسميته عبثا! -.
لغة النقد:
الاهتمام بالنقد أكثر من النص نفسه، فيحرص نقاد ما بعد الحداثة على إبداعية وأدبية لغة النقد، حتى أن بعضهم سمى النقد (ميْتا لغة) أي فوق اللغة! وهذا يتوافق مع يراه التفكيكيون في مسألة (الاختلاف)؛ والتي يقصدون بها اختلاف -أو تعدد- القراءات التي أشرت لها أعلاه. إلا أن هذا يؤدي إلى التكلف الذاهب بالنصوص والقراءات إلى الغموض والإبهام .. مما يُبعد المتذوق القارئ عن هكذا نصوص شُوِّهت بقراءة أمثال هؤلاء.
القصدية:
ينفي التفكيكيون قصدية المبدع في كتابته لنصه، ويحيلونها إلى قصدية القارئ! وهم ممن اعتمد نظرية موت المؤلف المجحِفة لحق المبدع في نصه، ومغالية في الترحيب بالقارئ والناقد للنص.
أخيرا نخلص إلى أنه لا يسيطر على هذه الاستراتيجية سوى الشك في كل شيء، و لم أجد لها عذرا في ذلك إلا أنها نشأت في عصر الشك! و يا له من عذر واهٍ.
للأمانة .. فقد استفدت منها:
1. التفكيكية (دراسة نقدية) Par Pierre v. Zima ترجمة: أسامة الحاج.
2. النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية، ومناهجه المعاصرة أ. د. سعد أبو الرضا.
3. مناهج النقد المعاصر د. صلاح فضل.
ـ[معالي]ــــــــ[14 - 11 - 2005, 08:19 ص]ـ
نقاش رائع وثري ..
محمد .. وضحاء
شكرًا لكما .. ألقيتما حجرًا في مياه راكدة ..
باقية في مكاني بالصف الأول أتابع باستمتاع كبير!
بانتظاركما
فيض تحية
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[14 - 11 - 2005, 06:36 م]ـ
ولكن التلميذ النجيب يا عزيزتي لا يبقى في الصف الأول مكتف اليدين!! (:
بل يناقش أساتذته ويشاكسهم ..
ننتظر رأيك معالي ..
وأنتظر أستاذي محمد
ـ[معالي]ــــــــ[15 - 11 - 2005, 07:27 ص]ـ
وضحاء
من قال لك إنني تلميذة نجيبة؟؟!!
لم يَصْدُقوكِ من قالوا لك ذلك!!
فيض تحية
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[15 - 11 - 2005, 08:00 ص]ـ
لا يكون في الصف الأول من قاعة الدرس إلا النجباء .. (:
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[15 - 11 - 2005, 08:09 ص]ـ
هل النقد مقدس أكثر من النص؟
لا.
بالنسبة لي لا أحب من نقد الفلاسفة سوى المعري.
الناقد إذا لم يكن مبدعا سيكون مؤلما جدا، كما قيل "أكثَر الحز، وأخطأ المفصل".
كم من النصوص اختطفت على أيدي "النقاد" وأرغمت على حمل بيانات لا تحتملها ولا تتحملها!
النقد إذا كان مقدساً أكثر من النص ضاعت العملية الإبداعية، وهذا للأسف ما حصل من بعض أصحاب ما بعد الحداثة؛ حينما جعلوا السلطة للمتلقي (قارئا وناقداً) بعد أن كانت للنص -كما في البنيوية-، ومن قبله للمبدع نفسه -كما هو في المناهج النقدية القديمة كالاجتماعي، والتاريخي، وغيره.
الفلاسفة كثيرا ما يمنطقون، ويؤدلجون النصوص، مبعدينها عن المجال الإبداعي المحلّق؛ لذا أتمنى أن يبقوا في فلسفتهم بعيدا عن الأدب.
والنصوص إذا اختطفت، ربما تحمّل غير ما يُقصد بها، ولكن في ذلك -أحياناً- إثراء للنص بشكل مدهش وجميل، بشرط الابتعاد عن شخصنة النص، أو محاولة إدانة صاحبه عن طريقه ..
شكرا على الإثارة.
¥