والحوار الداخلي المباشر: هو ذلك النمط من الحوار الذي يمثله عدم الاهتمام بتدخل المؤلف، وعدم افتراض أن هناك سامعا، فيقدم المحتوى الداخلي كما لو لم يكن هناك قارئ، ويجري الحديث بضمير المتكلم، فتعبر الشخصية عن واقعها وعن أحاسيسها وآمالها ... خالطة الحاضر بالماضي بالمستقبل، مازجة الحلم بالحقيقة، واليأس بالأمل، فتجسد أعماق النفس بكل اضطرابها وآلامها.
أما الحوار الداخلي غير المباشر: الذي يدعى بـ (الوعي الباطني) فيتميز عن الحوار المباشر من ناحية التركيب اللغوي، واستخدام ضمير المخاطب أو الغائب، وهذا يعني وجوب حضور الراوي أو المؤلف بشكل دائم، لأن طبيعة الضمائر لا تسمح له بالغياب، بل تطلب منه أن يكون شاهدا أو راويا أو معلقا على الأحداث، وأن يستخدم الطرق الوصفية والتفسيرية.
مناجاة النفس: تقترب من الحوار الداخلي غير المباشر في اعتمادها على ضمير الغائب والمخاطب من ناحية البناء اللغوي، وتختلف في هذه الناحية أيضا، فهناك ينبغي على المؤلف الحضور، أما هنا فدوره ثانوي، لأن تقديم المحتوى الذهني والعمليات الذهنية للشخصية يجري مباشرة من الشخصية الروائية دون أن يتدخل الراوي أو المؤلف.
الوصف: رأينا قبل قليل أن الرواية الحديثة تركز على الصورة وعلى العلاقات البصرية بين الأشياء، وقد كانت هذه التقنية موجودة في الرواية التقليدية، إذ كانت تفيد في تحديد الخطوط العريضة لديكور الرواية، ثم لإيضاح بعض العناصر التي تتميز بشيء من الأهمية وتعبر عن شيء ما. أما الآن فهي، في يعض نماذجها، لا تتحدث إلا عن جمادات وأشياء لا تكشف عن شيء ولا تعبر عن معنى، أو على الأقل هذا ما يحاوله بعض كتاب الرواية اليوم، فقد كان الوصف يدعي تمثيل واقع موجود مسبقا، أما الآن فلا يحاول إلا أن يؤكد وظيفته الخلاقة، وكان فيما مضى يهدف إلى أن يجعل القارئ يرى الأشياء، أما الآن فيحاول أن يحطم الأشياء، وكان إصرار هذا الوصف على التحدث بإسهاب عن الأشياء والجمادات لا يهدف إلا إلى إفساد خطوط هذه الأشياء، وجعلها غير مفهومة، بل إلى إخفائها تماما ... وبعد عدة فقرات ينتهي الوصف ليكتشف القارئ أن هذا الوصف لم يترك شيئا متماسكا وراءه، فقد اكتمل الوصف في حركة مزدوجة من الخلق والتحطيم، وهذه الحركة نجدها في الرواية على كافة المستويات وخاصة في التركيب العام للرواية، ومن هنا كان الإحساس بالانخداع الملتصق بكل أعمال اليوم (4) وبذلك بات عالم الأشياء جزءا أساسيا في تشكيل فضاء كثير من الروايات الحديثة، دون أن نستطيع القول أنه يشكل سمة عامة لها.
والحقيقة أن الوصف في الرواية الحديثة يتخذ مسارين: الأول نحو أعماق الشخصية، والثاني نحو الأشياء التي باتت تحل محل الإنسان، وتلغي كينونته في حياتنا التي باتت استهلاكية ترى قيمة الإنسان بما يملك من أشياء!!!
إن الوصف في الرواية التقليدية كالوصف في الرواية الحديثة التي يطلق عليها أحيانا رواية"تيار الوعي" يتم عن طريق المؤلف الواسع المعرفة، وذلك دون أية محاولة من جانب هذا المؤلف لوضع قناع على الحقيقة، والشيء الوحيد غير العادي في وصف الرواية الحديثة هو موضوعه، الذي يتعلق بالعالم الداخلي للشخصية، والحياة الذهنية لها بكل تداعياتها.
إن هناك ثلاثة عوامل لتنظيم التداعي: وهي أولا الذاكرة التي تعد الركيزة الأساسية للتداعيات، وثانيا الحواس التي تقودها، وثالثا الخيال الذي يحدد طواعيتها، أما ثبات عمل هذه العناصر ونظام ترتيبها، والناحية العضوية المتصلة بها فهي مشكلات مختلف عليها عند علماء النفس، ولم يهتم أحد من كتاب الرواية الحديثة بالمشكلات المعقدة لعلم النفس، لكن كل الكتاب أدركوا أهمية التداعي الحر في تحديد حركة العمليات الذهنية لشخصياتهم.
وسائل تنظيم حركة تيار الوعي: وهي مجموعة يمكن أن تسمى على سبيل التشبيه "مستحدثات سينمائية" وتدعى "المونتاج" تشمل مجموعة من الوسائل التي تستخدم لتنظيم أو لتوضيح تداخل الأفكار وتداعيها، كالتوالي السريع للصور، أو وضع صورة فوق صورة، يقسم المونتاج إلى قسمين:
المونتاج الزمني: إذ يبقى الشخص ثابتا في المكان، لينتقل تيار الوعي عبر عدة أزمنة، وبذلك يضع الروائي صورا أو أفكارا من زمن معين على صور أو أفكار من زمن آخر.
¥