تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المونتاج المكاني: يبقى الزمن ثابتا، ليتغير عنصر المكان، وليس من الضروري أن تتضمن هذه الطريقة تقديم الوعي فهي تستخدم على أنها تقنية مساعدة، تسمى "عين الكاميرا" أو "المشهد المضاعف" وهي أسماء يمكن أن توحي بإمكان اجتماع مجموعة صور في نقطة زمنية واحدة.

إن الوظيفة الأساسية لهذه الوسائل السينمائية هي التعبير عن الحركة وتعدد الوجوه، وهذه وسيلة معدة لتقديم ما هو غير ساكن منظم وفق المنطق المعروف، لذا كانت هذه الوسيلة خير معين لكتاب الرواية الحديثة، إذ تستطيع تحقيق غرضهم الأساسي، وهو تقديم العنصر المزدوج في الحياة الإنسانية، أي اختلاط الحياة الداخلية بالحياة الخارجية في وقت واحد.

إذا يمكننا القول بأن الزمن لم يعد يسير وفق ترتيب ظاهري، يحدده الظاهر والمنطق التاريخي لسيرورة الحدث، ولا شك أن اضطراب الزمان واختلاطه يؤدي إلى اختلاط الأمكنة، لذلك التقسيم السابق ليس مقبولا بجملته، وإنما لابد من المرونة في التعامل معه، والأخذ بعين الاعتبار أن الأدب الحديث، شأنه شأن أي إبداع حقيقي لا يمكن أن يكون مقسما تقسيما آليا، ونحن نلجأ إلى هذا التقسيم لتسهل دراسته، دون يعني ذلك فصلا حتميا بين الزمان والمكان، وإنما فصلا مجازيا يساعد على توضيح المكان المضطرب والزمان المختلط بسبب التداعي الحر، الذي لا يخضع لأي تنظيم مكاني أو زماني ..

لو تأملنا طبيعة المكان في الرواية الحديثة بمعزل عن طريقة تقديمه فيها، لوجدناه قد ابتعد، غالبا، عن أن يكون ديكورا للحدث، وامتدادا كنائيا للشخصية والبيئة والحدث الخ كما في الرواية المسماة تقليدية، وإنما أصبح المكان، في الرواية الحديثة، يبني رموزه" التي تعيد تشكيل أدبية الرواية، وتجسد الرؤية، فتؤسس جماليات جديدة، وعلى هذا الأساس أصبح المكان إحدى علامات الرواية الحديثة، وبات رمزا لحياة البشر يجسد الغربة والملل والضيق والمفارقة والعبور المؤقت، ويؤثر على مفهوم الزمن، فيعكس اضطرابه بين الديمومة واليومي، بين السطحي والعميق، وبين الوهم والحقيقة. (5)

بالإضافة إلى استعارتهم وسائل التقنية السينمائية، استخدموا علامات الترقيم استخداما خاصا، كي يقدموا تيار الوعي وينظموه، ولعل أهم سماته: الفيض، والخصوصية، أي أنه يقدم جوانب غير مترابطة وغير مشكلة، الأمر الذي يجعل وعي أي إنسان لغزا بالنسبة للإنسان الآخر، ونستطيع أن نعدّ هاتين السمتين نتيجة للقوانين الذهنية للتداعي الحر، وهما متصلتان اتصالا وثيقا، ولعل الإنجاز الأساسي لكتاب الرواية الحديثة: هو تقديم الاضطراب الداخلي للعمليات الذهنية، وجعلها تعني شيئا.

اللغة الروائية:

تبدو لنا لغة الرواية الحديثة لغة يغلب عليها المجاز، ويسودها التشخيص والتكرار، يبدو عليها الخلل في التركيب أحيانا، إذ قد نجد تركيب الجملة في حالة من الفوضى، فقد ينقص الجزء الأول منها، وقد ينقص الجزء الأخير ...

إن شيوع المجاز والتكثيف الشعري في اللغة أمر يتناسب مع لغة الأعماق، فبفضل الكثافة الشعرية تستطيع اللغة أن تمتلك إمكانات إيحائية متعددة، تساعد على اقترابها من اضطراب الأعماق من أجل محاولة تقديم بعض غوامضه، وهكذا فإن الاستعانة باللغة الشعرية والرمز والتصوير يعين الروائي على التعبير عما لا يمكن التعبير عنه في منطقة الوعي بطريقة مباشرة، بل يتحتم التعبير عنه بطريقة انطباعية رمزية مكثفة.

لاشك أن مثل هذه اللغة المجازية، تهب الرواية الحديثة خصوصية، لكن كثيرا ما تلقي هذه اللغة على الرواية ظلا من التلغيز، فيما لو ابتعدنا عن ملامحها الشعرية وأهملنا ربطها بالواقع على نحو شفاف.

إن معظم هذه الوسائل ليست شائعة في النثر العادي، لذلك شكلت بعض سمات الحداثة في الرواية، ولكن هناك ناحية يحسن الإشارة إليها: وهي أن هذه الوسائل والسمات لم تشكل نبض العمل الروائي بشكل مستمر، وهي تعكس بذلك خاصة داخلية من خواص الذهن وهي سرعة التنقل من موضوع لآخر، أي عدم الاستمرار، كذلك نلاحظ لكل مبدع خصوصيته في استخدام هذه التقنية والتي تبدو لنا أحيانا ممتزجة بالطريقة التقليدية للرواية.

القالب الفني:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير