تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كادي: من المعروف أن فوكنر يولي اهتمامه لردود فعل الشخصيات نحو الأحداث أكثر مما يوليه للقصة بشكلها التقليدي، فهو يعطي أهمية نحو سلوك كادي غير المسؤول ونحو زواجها، ورغم أن المؤلف لا يطلعنا على أعماق كادي إلا أنها تصبح الشخصية المحورية في الرواية، تسيطر بصفتها (شخصية) في الفصلين الأولين، وكمجموعة من الصور والأفكار ثم تبدو شخصية ذات صوت خاص يناقض صوت جاسن، في الفصل الثالث، وبذلك تحولت (في الفصول الثلاثة حيث قدّم المؤلف إخوتها: بنجي، وكونتن، وجاسن) إلى فكرة متسلطة على كل منهم، وإن كان كل واحد منهم يخضع لهذه الفكرة بطريقته الخاصة، لكن جميع هذه الأساليب تتصف بالأنانية والذاتية، إذ لم يكن أحد منهم قادرا على حبها، وكل واحد منهم كان يريد أن يفرض عليها، بسبب أنانيته، نمطا من السلوك القسري الذي يرضيه هو فقط، لذلك ثارت كادي ضد هذا التسلط من خلال ممارسة حريتها ورفضها للقيم التي تعتز بها الأسرة كالشرف، لكنها ظلت دائما محاصرة ومشدودة إلى أسرتها، لكون ابنتها (كونتن) تعيش شبه رهينة لديهم، لكن ابنتها تترك الأسرة لتتبع طريق أمها، ومهما كانت تفاهة الشخص الذي هربت معه (عامل في سيرك) فإنه يصلح رمزا للخلاص من أسرتها، وأنها لن تعيش محاصرة في جو الأسرة الموبوء بالأنانية.

وهكذا جسدت لنا كادي وابنتها، حتى لو أخطأتا الطريق، توق المرأة في البحث عن الحب، أما شخصية الخادمة الزنجية (دلزي) التي قدمت في الفصل الرابع من الرواية فقد كانت خير تجسيد لمعاني الحب الشامل، والتي استطاعت أن تشكل النقيض لفقدان المقدرة على الحب وانتصار الأنانية في نفوس أفراد عائلة كومبسون.

بنجي: معتوه يسمع، لكنه لا ينطق، إنه لا يتواصل مع العالم الخارجي إلا بالصراخ والعويل، وحين يروي الأحداث لا يستطيع أن يرتبها ترتيبا زمنيا، لهذا ما حدث قبل عشرين سنة، وما حدث اليوم، وكلاهما متساوي الأهمية في سرده، متساوي الوضوح، وكل شيء يذكره كأنه يراه أول مرة، بكل ما فيه من جدة وبراءة، فبات الفصل المخصص له (الفصل الأول) أشبه بحكاية يحكيها معتوه، ليست للكلمات عنده مدلول رمزي، لذلك نجد العمليات الذهنية لديه سلسلة من الانطباعات الحسية المسجلة مباشرة، حيث لا يلعب الذكاء دور المنظم والمفسر، إنه تعبير خالص عن المحسوسية المطلقة التي لا مكان فيها للتجريدات، وخاصة ذلك التجريد المسمى بالزمن، فبالنسبة إلى بنجي يبدو الحاضر والماضي شيئا واحدا، فما حدث منذ ثلاثين عاما له نفس الوضوح والحيوية لما يحدث الآن، فالمشاهد اليومية تستدعي مثيلاتها في الماضي، وقد ميّز فوكنر هذه الانتقالات بتغيير نوع الحروف (باستخدام الحرف المائل، لكن المترجم استخدم تقنية تغيير لون الحرف) يقول بنجي، في عيد ميلاده الثلاثين، متحدثا عن أخته (كادي) التي مضى على تركها للبيت ما يقرب من عشرين سنة "وجعلت أسمع الساعة، وأسمع كادي واقفة خلفي، وأسمع السقف. السماء مازالت تمطر قالت كادي ... أكلت بعض الكعك، وجاءت يد "لستر" وأخذت قطعة أخرى، وجعلت أسمعه يأكل، ونظرت إلى النار ... " (9)

إن الفترة الزمنية بين جملة "مازالت تمطر ... " و "أكلت بعض الكعك" ما يقرب من عشرين سنة، من هنا تتأتى صعوبة هذه الرواية، خاصة أننا نجد أنفسنا أمام شخصية بدائية تتعامل بالبراءة الأولى مع الشخصيات والأشياء، ولعل الإنجاز الهام في هذه الرواية محاولة الدخول إلى أعماق هذه الشخصية وتسليط الأضواء عليها بلغة تقارب المحسوس (أشكال ومسموعات وروائح) لتجسد بدائية الشخصية، فهو كما رأينا في المشهد السابق يسمع السقف. لا صوت المطر، لأنه يفتقد القدرة على تحليل الأصوات، وفهمها.

كونتن: طالب جامعي، باع والده قطعة أرض كي يتم تعليمه في جامعة هارفرد، تسيطر عليه القيم المجردة على نقيض أخويه (بنجي وجاسن) فقد سيطرت عليه فكرة الشرف، أي شرف الأسرة الذي فقدته حين فقدت أخته كادي شرفها، فكان مؤرقا بفكرة استعادة الشرف أو الحفاظ عليه، وحين يجد أخته تمارس حياتها بعيدا عن هذه القيم، يقرر الموت، لذلك تسيطر عليه فكرة تجريدية أخرى: هي الزمن، إذ يحس بعبثية الزمن وبالتالي بعبثية الحياة الأمر الذي يؤدي به إلى الانتحار، لهذا بدأ الفصل المتعلق بكونتن بهاجس الزمن"كانت تلك ساعة جدي، وعندما أهدني إياها أبي قال: إني أعطيك ضريح الآمال والرغبات كلها،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير