تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حامد: تعد الشخصية الرئيسية في الرواية، يعمل مدرسا في مدارس وكالة الغوث، لجأ إلى غزة مع أخته (مريم) التي تكبره بعشر سنوات، بعد أن ضاعت أمه في زحمة اللجوء (1948) واضطرت إلى النزوح بعيدا عن أولادها، مما يؤدي إلى انهيار الأخت وضعفها أمام أول رجل يحاول استغلالها، وقد وجدنا حامد بعد زواج أخته من زكريا النتن، الذي وشى بالفدائي (سالم) يغمره إحساس بالعار، إذ فقد الوطن والأم وشرف أخته في وقت واحد، حتى زواج مريم من زكريا لم يرضه، فقد أحس أن مثل هذا الزواج لا يشرفها، فقد أصبحت زوجة ثانية لرجل نتن في أخلاقه ووطنيته، و بالإضافة إلى كل ذلك لديه خمسة أطفال.

حين يرحل (حامد) إلى الصحراء يجلله العار (عاره الشخصي وعاره الوطني) فقد ترك أخته كارها لزواجها ولعارها، متألما لحالها الذي آلت إليه بسبب النكبة واستشهاد خطيبها (فتحي) كما ترك الوطن ينتهكه الأعداء الصهاينة مدة ستة عشر عاما (كتبت هذه الرواية 1964) لذلك يضيق بعاره "وأخذ يغوص في الليل، مثل كرة من خيوط من الصوف مربوط أولها إلى بيته في غزة، طوال ستة عشر عاما لفوا فوقه خيطان الصوف حتى تحول إلى كرة، وهو الآن يفككها تاركا نفسه يتدحرج في الليل" (13)

نلمح هنا إحساس الفلسطيني بالتشيؤ (فقد كان شبيها بالكرة) كما أن هناك إحساسا بالحصار (لفوا فوقه خيوط البؤس) لكنه حين تحرك ووصل إلى أرض فلسطين (صحراء النقب)، أثناء طريقه إلى أمه في الأردن بدأ يحس بتحرره من هذه الخيوط، غير أن الأمور تبدو غير واضحة في ذهنه، لهذا استخدم الراوي فعل (يتدحرج) الذي يوحي بالسير على غير هدى.

إذا بتحرك (حامد) عبر الصحراء التي لم يستطع أحد أن يسير فيها طوال ستة عشر عاما، (كتبت الرواية عام 1964) يتحرر الفلسطيني من تردده وانتظاره وعدم مبالاته، ويكتشف في الصحراء ذاته، فيحس أنه قوي وضعيف في آن واحد، ويعرف حقيقة شخصيته التي بناها الوهم، وأن إحساس العجز والفشل دفعه للاتكاء على الوهم: الأم، طوال تلك السنين كانت الأم عنده تمثل "فارسا وهميا على استعداد ليشرع سيفه في وجه أي عقبة تقف أمامك، وعشت طوال عمرك متكئا عليها، فما الذي تريده الآن من هذا الفارس الوهمي الذي أعطيته من فشلك وعجزك حصانه الخشبي التافه."

وحين يكتشف (حامد) في الصحراء حقيقة أوهامه التي هي أشبه بحصان خشبي لا فائدة منه، يبدأ يتساءل: "من أنت" يوحي لنا ببداية تفتح وعي الذات، الذي بدأ يتأسس في الصحراء التي هي الأرض الفلسطينية، عندئذ لم يعد الزمن نعشا، ولم يعد الفلسطيني كرة تتقاذفها الأيدي تارة وتلف حولها خيوط البؤس تارة أخرى، بدأ يحس بهويته، أي بإنسانيته، فتخلص من أوهامه، وبدأ يرفض حالة الذل والعار التي اعتاد عليها في حياته السابقة، وصار يستعيد ذكرى صديقه (سالم) الذي قاتل الصهاينة وحرّضه على النضال دون أن يستجيب له،.إنه يتذكر وشاية زكريا به، ثم استشهاده.

إذا في الصحراء يتنكر لماضيه الذليل في المخيم، أما ماضيه المجيد الذي صنعه استشهاد (سالم) وذكريات صداقته له فقد تمسك بها، لتكون دليله في مواجهة عدوه على أرضه، لذلك سيكون أمرا طبيعيا تكرار تداعياته حول استشهاد صديقه، وكيف كان يحرضه، وكيف غدر به زكريا، وتابع سلوكه الغادر، حين غدر بـ (حامد) أيضا وطعنه في شرفه.

في الصحراء يواجه عدوه الحقيقي (المجند الإسرائيلي) عندئذ تبدأ مرحلة جديدة في حياته، تتسم بالفعل الحقيقي الذي يحقق عبره إنسانيته ووجوده، وفي لحظة الالتحام بالعدو، يتأكد (حامد) أنه أقوى من عدوه، إذ يستولي على مسدسه وسكينه، وتشهد الصحراء تفوقه على خصمه، إذ تقول: "لقد تحول انتظاره إلى مستنقع بلا قرار، وأضحى الزمن خصما فيما بدا (حامد) جامدا عاقدا العزم على البقاء هاهنا حتى النهاية، وكان يتفوق على خصمه بأنه لم يكن ينتظر شيئا، مثلي، بالنسبة لي كان يعني بقاء وليس عبورا، كان ضائعا هو الآخر، لكن ذلك لم يكن يعني بالنسبة له شيئا، ليس لأنه لا يعرف، ولكن لأنه لم يكن يريد، بعد، الذهاب إلى أي مكان، وقد حوصر بضراوة منذ أول الليل في هذه الرقعة التي أصبحت مملكته" (14)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير