تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نظيف بعيد عن قذارة الأب.

وهكذا يمكن أن نجد في شخصية مريم نموذجا ليس للمرأة الفلسطينية فقط، وإنما للإنسان الفلسطيني الذي يحاول الوقوف ثانية، والتخلص من أخطائه ومن ضعفه، بعد أن أوجد أملا جديدا من حطام الموت واليأس والعار.

وعلى هذا الأساس يمتزج في هذه الشخصية الهم العام بالهم الخاص، فسقوط مريم نتيجة سقوط فلسطين، كذلك نجدها في محاولتها التمسك بالأمل (الجنين) تجسد محاولة الشعب الفلسطيني في تلك الفترة (1964) في النهوض والثورة، لهذا تبدو شخصية (حامد، ومريم) رمزا للشعب الفلسطيني، في لحظات ضعفه وانهياره، ولحظات تردده وبحثه عن طريق للفعل، ثم لحظات وعيه وبداية ثورته، إنهما يجسدان الروح الفلسطينية في لحظة احتضارها ولحظة ولادتها من جديد.

جوانب اللقاء بين

رواية "ما تبقى لكم" ورواية "الصخب والعنف":

تعد رواية غسان كنفاني "ما تبقى لكم" إنجازا كبيرا من الناحية الشكلية في الرواية العربية خاصة أن استخدام أسلوب تيار الوعي في تلك الفترة لم يكن شائعا، وهنا نلفت النظر إلى أن هذا الإنجاز الشكلي (الذي يهتم بالعالم الداخلي المضطرب للشخصية) لم يكن على حساب القضية الفلسطينية التي عاش الكاتب لها واستشهد من أجلها.

ترصد كلا الروايتين يكاد يكون حدثاً واحداً هو انهيار أسرة بأكملها بسبب الحرب وانتصار المعتدين، ففي رواية وليم فوكنر تنهار الأسرة نتيجة زحف الشمال على الجنوب وانتصاره عليه، بعد حرب أهلية جرت بينهما، كذلك في رواية غسان كنفاني تنهار الأسرة نتيجة نكبة (1948) واحتلال الصهاينة لفلسطين، لذلك تنهار القيم والمثل العليا بانتصار الأعداء وتمزق الأسرة، فتفقد الأخت (كادي ومريم) في كلا الروايتين شرفها، ثم تتزوج من رجل نتن.

لعل التأثر الأهم في هذه الرواية هو تأثر بأسلوب الرواية الحديثة (أسلوب تيار الوعي) الذي عرف عنه شدة اختلاطه وصعوبته، لذلك نلمس لدى الكاتبين رغبة في مساعدة القارئ، ليستطيع متابعة العالم المختلط، فقد أصدر فوكنر ملحقا، يجعله أشبه بمقدمة، يتحدث فيه عن أحداث الرواية وشخصياتها (يتبع فيها ماضي الشخصيات وحاضرها ومستقبلها) ويوضح بعض الأفكار التي قد تصل إلى المتلقي بشكل مغلوط (مثل حديثه عن كونتن، فيبين أنه ما عشق جسد أخته قط، ولكنه عشق فكرة الشرف)

أما كنفاني فنجده يكتب مقدمة يشرح فيها طريقته في تقديم شخصياته "الأبطال الخمسة في هذه الرواية، حامد ومريم وزكريا، والساعة والصحراء لا يتحركون في خطوط متوازية أو متعاكسة، كما سيبدو للوهلة الأولى، ولكن في خطوط متقاطعة، تلتحم أحيانا إلى حد تبدو وكأنها تكوّن في مجموعها خطين فحسب، وهذا الالتحام يشمل أيضا الزمان والمكان بحيث لا يبدو هناك أي فارق محدد بين الأمكنة المتباعدة أو بين الأزمنة المتباينة ... إن الصعوبة الكامنة في ملاحقة عالم مختلط بهذا الشكل هي صعوبة معترف بها" لهذا يلجأ، كما فعل فوكنر، إلى تغيير شكل الحروف (من العادي إلى المائل) عند تغيير لحظات التقاطع والتمازج والانتقال.

قدمت الشخصية في كلتا الروايتين عبر تدفق تيار الوعي، ونجد في كلتيهما محاولة لربط التداعي بعضه ببعض، والتخفيف من امتزاجه، عن طريق استخدام روابط لفظية، في لحظة الانتقال من شخصية إلى أخرى أو الانتقال من زمن لآخر، أو مكان لآخر، وبذلك يمكن أن تسهل هذه الروابط عملية التداعي وربما تعطي مبررا لها إذ تفسح المجال لتنقلات العقل الباطن، من زمان إلى زمن آخر ومن مكان إلى آخر ... إلخ، من هذه الروابط:

_ الجملة الاسمية أو الفعلية: فمثلا ينتهي الحوار الداخلي عند غسان كنفاني بقول حامد مخاطبا الصحراء: "ليس ثمة من تبقى لي غيركِ" سنجد أن الحوار الداخلي لأخته مريم يبدأ بجملة مشابهة كأنها استمرار للحوار السابق، لكنها تخاطب فيها الجنين قائلة "ليس ثمة من تبقى لي غيركَ" وهذا ما سبقه إليه فوكنر في "الصخب والعنف" إذ نجده يربط بين حوارين داخليين (في زمنيين مختلفين، لكنهما لشخصية واحدة: بنجي مثلا نجد جملة واحدة تتكرر في حالتين مختلفتين، وفي لحظتين مختلفتين ومتباعدتين هي جملة "تزحف خلال هذه الفتحة"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير