تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

_ وقد يكون الرابط اسما: نجد مريم في رواية "ما تبقى لكم" تتحدث في حوارها الداخلي عن خالتها، كذلك يبدأ حامد حواره الداخلي متحدثا عن الخالة، أيضا سبق فوكنر كنفاني في استخدام هذا الرابط، ففي تيار وعي (بنجي) مثلا نجد اسم (البوابة) يربط بين زمنيين مختلفين (الطفولة، والشباب) فنجده يقول "ومشيت بمحاذاة السياج إلى البوابة ... " ثم يتذكر قول الخادم، حين كان طفلا "ما الفائدة من تطلعك من خلال البوابة، لقد رحلت كادي، وابتعدت"

تشترك كلتا الروايتين في استخدام اللغة الشعرية الشفافة التي تتناسب مع لغة الأعماق المضطربة، التي تبدو اللغة المجازية، التصويرية خير مجسد لها، وقد لمسنا ذلك سابقا لدى فوكنر (حين تحدثنا عن كونتن ودلزي) كذلك نلاحظ لدى كنفاني، فمثلا حين يقرر (حامد) مغادرة غزة للعودة إلى أمه، نجد أنفسنا أمام هذه الجملة الموحية "وابتسمت فبدا فمها الملطخ بالحمرة جرحا داميا انفتح فجأة تحت أنفها" فاستطاعت الصورة الشعرية هنا أن تؤدي معاني الألم بأقسى صوره، إذ قد لا نجد أفظع من تحول الابتسامة (دليل الفرح) إلى جرح ينزف دما (وهذا أقسى درجات الألم المنظور) تلخص هذه الصورة حالة الفلسطيني في تلك الفترة (قبل الثورة) لا فرح لديه أفراحه تحولت إلى أحزان نازفة!!

نلمح لدى كل من (كونتن) و (حامد) ملامح شخصية تكاد تكون واحدة، فقد وجدنا لديهما ثقافة رفيعة، وحساسية مرهفة، بل يبدو لنا إحساسهما بالزمن، في فترة من الفترات (قبل أن يواجه الفلسطيني عدوه) واحدا، فكلاهما يرى الزمن رؤية سوداوية (فهو ضريح لدى كونتن، ونعش لدى حامد) لذا نجدهما يتخلصان من الساعة (كونتن قبل انتحاره، وحامد قبل الالتحام بعدوه) رغبة منهما في التمرد على إيقاعها العبثي.

لم يستخدم كلا الكاتبين أسلوب الرواية الحديثة في نصه الروائي بأكمله، أي في تقديم جميع الشخصيات والأحداث فقدم فوكنر (دلزي، وجاسن أحيانا) عن طريق السرد والحوار في حين قدّم كنفاني (زكريا) عن طريق تداعيات الشخصيات الأخرى، فلم نسمع صوته الخاص به، أي صوت أعماقه.

نلمح لدى الكاتبين (فوكنر وكنفاني) ملامح من السيرة الذاتية، والأزمات التاريخية التي عايشها كل منهما، وانعكاس هذه الأزمات على حياته الشخصية، التي هي بالنتيجة انعكاس لحياة أبناء وطنه، ستختلف درجة الانعكاس لدى الكاتبين، كما سنرى فيما بعد.

يبدو لنا من المستحيل أن يتخلى الكاتب عن آلام عايشها في طفولته، لذلك تجد طريقا لها، في أغلب الأحيان، عبر أدبه، فغسان كنفاني يجعل من مراتع طفولته (في المنشية في يافا) مسرحا لطفولة (حامد ومريم) بل نجد لدى كنفاني رغبة لاشعورية في معرفة ما الذي حصل لمنطقة المنشية حيث نشأ، لهذا يجعل الجندي الإسرائيلي الذي يلتقي به حامد في الصحراء من سكانها، فنجده يسأله عنها!

فوكنر آلمه دمار بيته الكبير، بسبب الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال والجنوب، فجسد لنا هذه المعاناة، ودمار بيت آل كومبسون.

نلمح في رواية كل منهما أثرا للمهنة التي مارسها في مرحلة من حياته، غسان يجعل بطله (حامد) يمارس المهنة التي مارسها في مطلع شبابه (مهنة التدريس)، أما فوكنر فسنجد أثر مهنة كتابة النصوص السينمائية (السيناريو) قد ظهرت في التقنية التي استخدمها في الفصل الثالث والرابع.

جوانب الاختلاف

بين رواية غسان كنفاني ورواية وليم فوكنر "الصخب والعنف"

لا نستطيع أن نقول إن كنفاني قلّد فوكنر تقليدا حرفيا دون ابتكار، وإنما لاحظنا استفادة واعية لديه من إنجازات الرواية الحديثة، ولعل مرد ذلك إلى موهبة الكاتب من جهة وتقديمه الهم الخاص وقد تحول إلى هم عام هو هم الوطن.

لاحظنا الاختلاف منذ العنوان، فالعنوان لدى فوكنر مستمد من مقطع مسرحي (مسرحية مكبث لشكسبير) يؤكد على تفاهة الحياة الإنسانية، التي هي بالنتيجة "صخب وعنف" ثم موت، لهذا ينتحر كونتن وتسقط (كادي) فتعيش حياة ذليلة أشبه بالموت، كما يخصى بنجي ويوضع في مصحة، في حين نجد عنوان رواية كنفاني "ما تبقى لكم" قد استمد من الهم الفلسطيني الذي عايشه الكاتب يوما إثر يوم، لذلك يدق جرس إنذار عبر قوله "ما تبقى لكم" أيها الفلسطينيون بعد ضياع الوطن والشرف، لم يبق لكم سوى الواقع البائس القائم على مجموعة من الخسارات ا، إنه يحرض مواطنيه على المواجهة (كما فعل حامد) كي يتجاوزوا حالة الضعف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير