تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعار التي يعيشونها، إذ لم يبق لهم سوى مواجهة العدو الصهيوني.

يلاحظ أن خصائص تقديم تيار وعي الشخصية لدى كنفاني تختلف أحيانا عن خصائص فوكنر، والسبب في ذلك أنه قدّم تيار وعي شخصياته في أربعة فصول، حيث جعل لكل شخصية (بنجي، كونتن، جاسن، دلزي) فصلا مستقلا خاصا بها، في حين وجدنا كنفاني قد مزج تيار وعي شخصياته وجعلها في فصل واحد.

وقد ساعدت هذه الطريقة على تقديم تيار وعي الشخصية بطريقة مبدعة، تختلف عن فوكنر:

_ نسمع، لدى كنفاني،في وقت واحد حوارا داخليا في موضوع واحد عند شخصيتي (حامد ومريم)، فمثلا تتحدث مريم عن حماية أخيها لها ومدى حرصه عليها أثناء اللجوء من يافا إلى غزة، وفي الوقت نفسه نسمع صوت (حامد) يقول: "لقد حرصت عليك حرصي على حياتي"

_ قد تكمل الشخصية في حوارها الداخلي ما بدأته الشخصية الأخرى في حوارها الداخلي، فيبدو لنا الحوار الداخلي كأنه حوار واحد يجري في أعماق شخصية واحدة (تتساءل وتجيب، فيما يشبه المناجاة) أو أقرب إلى الحوار الخارجي بين شخصيتين متحاورتين، فمثلا يتحدث (حامد في الصحراء) عبر حواره الداخلي عن ذكرياته مع صديقه سالم، نجد (مريم في غزة) عبر حوارها الداخلي تكمل الحديث عن سالم وتتساءل: "لماذا لم يقتلوك؟ أنت؟ "فيعلق حامد قائلا عبر حواره الداخلي: "أغلب الظن أنها تريد أن تطمئنني ولم تعرف أنها حملتني ذلا جديدا"

وهكذا تندمج الشخصيتان (حامد ومريم) في شخصية تكاد تكون واحدة، حتى إن أي طارئ يحدث لحامد في الصحراء تحس به مريم ونجدها تقول: لقد حدث شيء ما له.

_ وقد يبلغ التوحد بينهما إلى أقصى مدى حين نجد حوارا داخليا يصلح لكلا الشخصيتين (حامد ومريم) في زمن واحد ومكان مختلف (الصحراء وغزة) إذ نجد فيه وصفا للسكين قبل أن تستخدم أداة للقتل، "ولمعت أمامي بنصلها الطويل المتوقد" ومن الملاحظ أن كلا الشخصيتين واجهت عدوها بنفس الأداة (السكين) فقد رفض حامد استخدام المسدس، لعل هذا أيضا يؤكد التلاحم بينهما، خاصة أن وعي حامد قد ترافق مع وعي مريم، لذلك كانت لحظة الفعل الثوري واحدة، وإن اختلف المكان، وبناء على ذلك ساعدت تقنية تيار الوعي، حين استخدمها كنفاني بطريقته الخاصة، على تقديم شخصيتين

مندمجتين اندماجا كاملا!!

_ لعل الإبداع المدهش الذي تبدى لنا لدى كنفاني هو تجسيد (المكان والزمان) وخاصة الأرض فقد تبدت لنا في هيئة إنسان، نسمع صوته، ونحس بتعاطفه مع الفلسطيني (حامد) بل تلتحم معه، كأنها حبيبته، تقول الصحراء: "لقد اندقت ساقاه فجأة في سفح تلة صغيرة، وأخذ يرتجف، هذه المرة بدت وقفته جازمة ونهائية، وخيل إلي أن قدميه قد غرستا في صدري كجذعي شجرة لا تقتلع، لقد كنت على يقين بأنه لن يعود ... " (15)

أما الساعة التي أتى بها حامد إلى أخته، والتي كانت قبل مواجهة العدو تشبه نعشا، فقد تحولت بعد المواجهة إلى إنسان "فبدت وقورة تعتزم إعلان خبر رهيب على مسمع من حشود تقف صامتة أمام جلالها" فهي ستعلن لحظة الصدام مع العدو (الإسرائيلي والعدو الداخلي زكريا) لهذا من الطبيعي أن يحس (حامد) أن الزمن قد كفّ عن عداوته، يقول حامد مخاطبا عدوه "الوقت لا يمكن أن يكون ضدنا نحن الاثنين معا، بصورة متساوية، فقد يكونون أقرب إليك مما أتصور، ولكنك أقرب إلي مما يتصورون" فالزمن في صالح الفلسطيني مادام فاعلا فيه، لهذا كان حامد يمتلك القدرة على قتل عدوه قبل أن يتمكن الصهاينة من قتله.

_ لو تأملنا الحبكة في كلتا الروايتين للاحظنا أنها مفككة في كلتيهما في القسم الأول، إلا أنها بدت لنا أكثر تماسكا في الجزء الأخير من رواية "ما تبقى لكم" إذ تأزمت الحوادث في لحظة واحدة (يهدد زكريا، في غزة، مريم بالطلاق فتقرر قتله، ويسمع حامد هدير سيارة الأعداء، فيقرر قتل المجند الإسرائيلي، في الصحراء)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير