تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أبدع شكسبير في ملاءمة اللغة الشعرية للمسرح، وفي مسرحياته الأولى أظهر ميلا للانسياق وراء الجمال اللغوي وولعا بالتلاعب بالكلمات والعناية بالقوافي، لكنه تمكن بالتدريج من السيطرة على لغته وتطويعها لمتطلبات المسرح، وكان مغرما بالصور المادية الحسية، وكان نطاق خياله واسعا وشاملا بشكل فريد (2).

إن ميزة شكسبير أنه كتب من وحي التاريخ لكنه أضاف إليه رؤيته الخاصة التي تنبع من انتمائه إلى عصر النهضة، وهو في الوقت نفسه معاصر لنا، نستطيع أن نقرأ ذواتنا في إبداعه، بما يقدمه من رؤى إنسانية وأحلام ومشاعر وأفكار تؤرقنا "إنه عنيف، قاس، ووحشي، أرضي وجهنمي، يستثير الرعب كما يستثير الأحلام والشعر، صادق جدا، درامي وجامح، عقلاني ومجنون، نهائي وواقعي" (3)

مسرحية عطيل:

قبل أن نتحدث بالتفصيل عن شخصية عطيل لابد أن نتعرف على الأحداث الرئيسية والملامح الأساسية للشخصيات التي شاركت عطيل مأساته أو كانت سببا لها.

تجري حوادث هذه المسرحية في إيطالية، ثم تنتقل إلى قبرص بانتقال الجيش وقادته (أبطال المسرحية) لمقاتلة الجيش التركي العثماني، كما أن حوادث المسرحية لا تستغرق زمنا طويلا.

إن عطيل قائد شجاع نبيل، ينتمي إلى إفريقيا، لذلك كان زنجيا، أعجبت به الفتاة الإيطالية (دزديمونة) ابنة أحد أعيان مدينة البندقية المشهورين، فيتزوجها عطيل رغم الفارق بالسن وبالعرق وبالمكانة الاجتماعية، وما إن يتم الزواج حتى يعين قائدا عاما للجيش الذي سيتوجه لمحاربة الأتراك في قبرص، فيعيّن (كاسيو) ملازمه الخاص (أي نائبه) كل هذا يثير حفيظة (ياغو) حامل العلم، فيقرر الانتقام لنفسه، لأنه لم يحصل على ما يستحق من مرتبة عليا في الجيش التي احتلها عطيل ومن ثم كاسيو، كما أنه يشتعل غيظا لفوز عطيل بامرأة (كدزديمونة) جميلة ونبيلة في خلقها وفي حسبها، كما يشتعل غيظا من كاسيو الذي احتل مرتبة الملازم، بالإضافة إلى أنه جميل في مظهره وفي سلوكه، مما يحببه لقلوب الناس عامة وقلوب النساء خاصة.

سيطر على ياغو إحساس بالغبن، وأن الحياة لم تعطه ما يستحق، مما يدفعه إلى الحقد على الآخرين الذين ينالون ما لا يستحقون، يحوله هذا الإحساس إلى شر مضطرم لا يهدأ إلا بتدمير الآخرين، وبالحصول على ما يملكون، فالشخصية الأنانية لا ترى الخير إلا لنفسها ولا تريد أن يفوز الآخرون إلا بالألم، إنه الحقد الذي يملأ القلب سوادا فينغص حياة صاحبه، ويدفعه إلى تدمير حياة الآخرين.

يفلح (ياغو) في استثارة غيرة (عطيل) ويدبر مكيدة لـ (كاسيو) (حين يستغل نقطة ضعفه أمام الشراب، الذي يفقده عقله، فيتصرف تصرفات غير مسؤولة، إذ يتشاجر مع أحد الجنود ويجرحه، يأتي ياغو خفية ويقتله) الأمر الذي يؤدي بكاسيو إلى فقدان وظيفته، فيشجع ياغو (دزديمونة) كي تتوسط له عند زوجها عطيل، ويطلب منها أن تلح في وساطتها، مما يلفت نظر عطيل، ونجد (ياغو) في الوقت نفسه يزيد أوار ريبة عطيل حين يحدثه عن أخلاق المرأة الإيطالية المتحضرة و (التي لا يعرفها عطيل الغريب عن هذه البيئة) فيبين له أن الخيانة جزء من طبيعتها، فهي لا تعرف الوفاء لزوجها، لكن عطيل رغم ذلك لا يصدق كلامه فيقول "بحياتي أراهن على إخلاصها" وياغو لا يكتفي بالكلام وإنما يؤكد أقواله بأدلة دامغة (حين نجد زوجته إميليا التي تعمل وصيفة لدزديمونة، تسرق المنديل الذي أهداه عطيل لزوجته ليلة الزفاف، فيضعه ياغو في غرفة كاسيو) وبذلك يقدم للزوج خير دليل على لامبالاة زوجته بعواطفه، واستهتارها بكرامته.

أمام هذا الدليل الذي يراه عطيل مقنعا ودامغا يقرر الانتقام لشرفه وللمثل العليا التي انتهكتها زوجته، فيقتلها ليقتل الشر والخيانة في العالم، لكن إميليا التي أفزعها قتل المرأة البريئة النبيلة، تعترف بأنها سرقت المنديل وأعطته لياغو بناء على طلبه، وأنه هو سبب هذا البلاء كله، فيحاول عطيل قتله، ثم يقتل نفسه عقابا على جريمته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير