لو تأملنا معالم شخصية عطيل لوجدناه أبعد ما يكون عن شخصية المجرم العادي، فهو إنسان حساس، شاعر، نقي السريرة، يصدق كل ما يراه وما يسمعه، يرى الوفاء في كل أصدقائه، لذلك نسمعه يصف ياغو بالصديق الأمين دائما، لا يعتريه الشك في الآخرين، ولا يحذر أقوالهم وأفعالهم، إنه شديد الاندفاع والحماسة للفضيلة، شديد الحساسية لكرامته، سريع الانفعال، لذلك يثأر لكرامته دون أي حذر أو شك فيما قاله ياغو، فهو لا يستطيع أن يرى الإنسان ذا وجهين ولسانين، يسرع بتصديق الظاهر دون أن يتأمل في بواطن الأمور، كما كان هملت، فهو على نقيضه لا يعرف التردد، يتعامل مع العالم بحساسيته المرهفة، دون أن يعني هذا القول أن عطيل شخصية متهورة بصورة مطلقة، فقد حبك ياغو مكيدته بحيث تبدو الزوجة خائنة، فأتى بأدلة تقنع العقل، خاصة أن دزديمونة لم تصرح بأنها فقدت المنديل.
إن أزمة عطيل في سماحة طبعه، وصراحته، وطيبته لذلك يظن الناس شرفاء اعتماداً على ما يبدون من أقوال وتصرفات، إذ تنقصه الخبرة بالنفس البشرية، وهذا أمر طبيعي لمن عاش حياته مقاتلا في الحروب بعيدا عن العلاقات الاجتماعية، باختصار يفتقد عطيل دلالة اسمه الذي يعني ( othello) باللاتينية الحذر.
وقد وصفه (آ. سي. برادلي) وصفا مدهشا "وهكذا فإنه يجيئنا، أسمر رائعا، متسربلا بضياء من شمس البلاد التي ولد فيها، ولكنه ما عاد شابا، إنه، شكلا وكلاما، بسيط وشامخ معا. رجل عظيم من طبعه التواضع مع ثقة كبيرة بقدر نفسه، فخور بخدماته للدولة ... يتوج حياته بمجد أخير هو مجد الحب، وهذا الحب نفسه غريب مغامر شاعري كأي حدث في تاريخه الحافل، يملأ قلبه رقة وخياله نشوة، إننا لا نجد حبا لدى شكسبير (حتى ولا حب روميو في ميعة صباه) أشد إغراقا في الأخيلة والرؤى من حب عطيل" (4)
إذا نحن أمام شخصية مثالية، تحب بعمق الشاعر ونبل الفارس، لهذا لن تقبل أي اعتداء على شرفها، لأن ذلك يعني اعتداء على كل المثل، إنه يبدو عاقلا حكيما، لكن ما إن يشتعل قلبه بالغيرة حتى يسيطر عليه الانفعال والألم والرغبة بالثأر لكل القيم النبيلة التي انتهكت.
نسمع لودفيكو يخاطب عطيل في لحظاته الأخيرة قبل أن يطعن نفسه بخنجره "آه ياعطيل يا من كنت مثالا للطيبة، لقد وقعت في مكيدة هذا العبد اللعين، فماذا تقول؟
عطيل: أي شيء، قولوا قاتل شريف، فأنا ما فعلت شيئا بدافع البغضاء، بل الشرف ... تحدثوا عن رجل لم يعقل في حبه، ولكنه أسرف فيه، رجل حاضر الريبة، ولكنه إذا أثير وقع في التخبط ... رجل رمى عنه بيده (كهندي غبي جاهل) لؤلؤة أثمن من عشيرته كلها. رجل إذا انفعل درّت عيناه وإن لم يكن الذرف من دأبها .... " (5)
إن صفة الشريف التي لحقت بالقاتل لا تبدو، هنا، صفة عادية، إنها أشبه باسم يمتزج بالشخصية، لذلك فهذه الصفة تكاد تغلب على الفعل (فعل القتل) الذي قام به عطيل، فمن أجل قيم الشرف التي امتهنت من قبل الزوجة، ومن أجل الحفاظ عليها، من أن تهان مرة أخرى على يدها قتلها، وهو أيضا شريف لأنه لم ينتظر حكم المجتمع الذي يراعي الظروف المخففة عادة، فيصدر حكمه الذي يتسم بالرأفة، لذلك نجده يطعن نفسه معاقبا إياها أشد أنواع العقاب!!
لا يمكننا أن نقول إن شكسبير عنصري، حين جعل عطيل الزنجي يقتل المرأة البيضاء، إن لون البشرة يحمل دلالات نفسية، باعتقادنا، أكثر من الدلالات العنصرية، فهو حار، شديد الانفعال والتأثر، كما أن الصورة التي بدا فيها عطيل (النبيل، الشاعر، القائد المحبوب، والزوج المخلص والذي تحبه زوجته حتى آخر لحظة من حياتها، أي حتى بعد أن طعنها) ومثل هذه الصفات تنسج لنا صورة شخصية عظيمة، تمتلك سمات غير منفرة، حتى أفعاله لم تكن سيئة، فهو حين مارس فعل القتل، وجدنا شكسبير يعطيه مبررات لهذا الفعل، لذلك بدا هذا الفعل منسجما مع القيم النبيلة التي يعيش لأجلها ويدافع عنها.
إن شخصية عطيل هي شخصية السيد الذي يعيش أبيض السريرة، ناصع الأخلاق، رغم بشرته السوداء، في حين وجدنا ياغو يُخاطَب بـ"العبد" كما لاحظنا في المقطع السابق من قبل لودفيكو ومن قبل (ص199) وفي مقطع آخر (ص 201) نجده يقول "أما هذا العبد فإن تكن ثمة قسوة بارعة تعذبه كثيرا وتبقيه طويلا فإنه سيذوقها"
¥