تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الأسود لا يعني عند شكسبير "وصفا أساسيا على قاعدة التمييز العرقي (رغم أن عطيل قد وعيت صورته كأفريقي، غليظ الشفتين، داكن اللون) ولكن الذي كان يعنيه شكسبير هو السواد والبياض حتى داخل العرق ذاته سواء كان أبيض أم أسود، كان يقصد السواد والبياض في الذات الإنسانية وأغوارها العميقة" (6).

وهكذا فالعبودية لدى شكسبير لا تقترن بلون البشرة وإنما تقترن بالفعال السوداء والشريرة، لهذا كان ياغو الأبيض عبدا بسبب فعاله، وكان عطيل الزنجي قائدا نبيلا بسبب أخلاقه ومروءته وحساسيته.

دوستويفسكي (1821_ 1881)

ولد فيدور دوستويفسكي في موسكو، حيث كان أبوه يعمل طبيبا مقيما في مستشفى كبير، وقد تلقى تعليمه على يد أبيه وأمه ومدرسيه الخصوصيين، ثم أرسل في الثالثة عشرة من عمره إلى مدرسة داخلية خاصة، وبعد ذلك بثلاث سنوات توفيت أمه، والتحق بمدرسة المهندسين الحربيين في العاصمة بطرسبورغ.

اطلع في هذه الفترة على التوراة وشيللر وشكسبير وسكوت وديكنز وجورج صاند وهيغو وبوشكين وكثيرين غيرهم.

وقد ترعرع في المدينة خلافا لمعظم الكتاب الروس، لذلك سنجد المدينة مسرحا لجميع رواياته، وكان لموت أمه ثم موت بوشكين أعظم الأثر في حياته، حين كان يدرس في كلية الهندسة في سنة 1844

وقد كان والده ينتسب إلى صغار النبلاء، وكان قاسيا بخيلا، اغتيل على يد الفلاحين لقسوته في معاملتهم، فعانى دوستويفسكي من نوبة صرع ستلازمه مدى حياته، فترك الجيش إذ لم يبق ضابطا إلا سنة واحدة، وقرر أن يتفرغ للكتابة، فأصدر روايته الأولى "الناس الفقراء" التي تأثر فيها برواية "المعطف" لـ (غوغول) نالت استحسان النقاد، وقد اجتذبته الآراء التحررية (الاشتراكية التي سيتركها فيما بعد) فانضم إلى جماعة (بتراشفكي) المسالمة، لكنه اعتقل معه سنة (1849) وحكم عليه بالموت، ووقف أمام ركيزة الإعدام ينتظر تنفيذ الحكم وفي هذه الأثناء يصل العفو الإمبراطوري، الذي كان عفوا جزئيا، إذ يقرر استبدال السجن بالإعدام في سيبيريا، حيث سجن أربع سنوات، ستترك هذه الحادثة أثرا كبيرا على أدبه، فقد وجدناه يعلي من قيمة الإنسان، ويرفع من شأن الحياة الإنسانية، حتى إنه يقول لو توقف إنقاذ العالم على موت طفل واحد علينا أن نرفض هذا الموت!!

ولما خرج من المعتقل، كانت صحته منهارة، رغم ذلك خدم في الجيش جنديا بسيطا، وكان قد تزوج من أرملة مريضة في سيبيريا، وقد عومل معاملة المجرمين فلم يسمح له بالرجوع إلى روسيا إلا سنة 1859، فأصدر "ذكريات من بيت الموتى" و"مذلون ومهانون" مما أذاع صيته، فأنشأ مع أخيه مجلة "الزمان" التي منعت بعد ذلك بقليل، وكبدته أعباء مادية، وفي عام (1862) قام برحلة أولى إلى الغرب، وحين عاد واجه ألوانا من الصعوبات إذ تموت زوجته وأخوه تاركا له عبء الديون وعبء إعالة أسرته، وابن زوجته، عندئذ بدأ يعيش حياة شاقة فعلا، فكان يتقاضى ثمن الكتاب الذي لم يكد يشرع فيه، وكانت المهلة المحددة تنصرم بسرعة، فتؤرقه، لذلك كان يعمل كالمحموم، واستعجالا للعمل استاجر شابة تكتب على آلة اختزال، أصبحت زوجته عام (1867) وقضيا معا عدة سنين في أوروبا، كانت مليئة بالأحزان، ومما كان يزيد هذه الأحزان تعلق دوستويفسكي بهوى القمار، وفي عام (1871) استقرت هذه الأسرة التي أنجبت عدة أولاد لم يعش منهم إلا اثنان، في يطرسبرج، وقد تحسن الوضع المادي للأسرة حين بدأت زوجته تنشر بنفسها مؤلفاته، مات عام (1881) إثر نزيف رئوي شديد.

إضافة إلى رواياته الكبرى ("الجريمة والعقاب"، "المقامر" و "الأبله" و "الزوج الأبدي" و "الشياطين" و "المراهق" و "الأخوة كارمازوف") نشر "يوميات كاتب" على شكل دوري، ليستطيع أن يعبر عن آرائه السياسية والدينية، وهي لديه شيء واحد، بشكل أكثر حرية من الرواية (7)

كتب دوستفسكي "لكي يكون المرء قادرا على أن يكتب جيدا، عليه أن يعاني! " ونحن نضيف أنه كي يتغلب على هذه المعاناة لا بد له من الكتابة الإبداعية، كي يستطيع أداء رسالته في الحياة، وهي أن يبث الخير والجمال في حياتنا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير