يقول الواحدي (أحد شراح ديوان المتنبي): (هذه أماكن بالكوفة سميت بأسماء قبائل كان ينزلون هذه المحال) , ولا شك أن "محلة كندة" التي ولد بها صاحبنا أو الطيب كانت خطة من خطط الكوفة ......... ولكن مما نعجب له أن بشر بن عبد الوهاب يقول: إن دور أهل اليمن ....... بالكوفة كانت في سنة 314 هـ وما قبلها عدتها (ستة الآف دار) , و يقول صاحب (إيضاح المشكل في شعر المتنبي) أبو القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني أن (ابن النجار) حدثه ببغداد: (أن مولد المتنبي كان بالكوفة في محلة تعرف (بكندة) بها ثلاثة آلاف بيت من بين روّاء و نسّاج) وذلك سنة 303هـ ..
يقول شاكر مفنداً:
1/ (فليت شعري أكان جل أهل اليمن النازلين بالجانب الشرقي من الكوفة وهو خير جوانبها ما بين سقاء و نساج؟ هذا عجب أن يكون ذلك كذلك , إذا كان النساجون و السقاؤون وحدهم قد شغلوا من دور أهل اليمن بالكوفة , ثم بمحلة كندة وحدها , ثلاثة آلاف دار , فكم شغل من بقي من أهل اليمن من أصحاب الصناعات ومن لفّ لفّهم من التجار وأصحاب الأرضين. ثم ما يبقى من أهل اليمن لرجالات اليمن و أشرافها و فرسانها وعلمائها و شعرائها و أدبائها , وهم كثر.
هذه المبالغة وجه من وجوه إسقاط قول (ابن النجار) ......
2/ ... لو نظرت إلى أقوال الأصفهاني صاحب (إيضاح المشكل) وما رواه في مقدمه كتابه , رأيته ممن كان يتحامل على أبي الطيب , و يذكره بالسوء في كل قولة , وما أتى بمحمدة إلا و أتبعها بمذمة بالغة قارصة.
3/ كتب الأصفهاني هذا الكتاب لأحد أولاد عضد الدولة وهو "بهاء الدولة" , حيث أن المتنبي مدح أخويه وهما أكبر منه , حيث قال المتنبي:
فعاشا عيشة القمرين يحيا ........... بضوئهما ولا يتحاسدان
و لقد وصف المؤرخون "بهاء الدولة" بأبشع الصفات فقالوا إنه كان " ظلوماً غشوماً سفّاكاً للدماء , حتى إنه كان خواصّه يهربون من قربه ........... " فليس عندي بمستغرب ولا مستبعد أن يضطغن مثل هذا السقيم المريض القلب على المتنبي , لأنه مدح أباه و أخويه ورفع من ذكرهم, ولم يجد هو من شعراء زمانه من يقول فيه .... فكتب الأصفهاني كتابه تقرباً و زلفى إليه ..... أهـ بتصرف.
نسب المتنبي
الروايات التي ذكرت في نسب المتنبي:
1/ حدّث علي بن المحسن التنوخي , عن أبيه (المحسن بن علي التنوخي) قال: اجتمعت بعد موت المتنبي مع القاضي أبي الحسن بن أمّ شيبان الهاشمي و جرى ذكر المتنبي فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة شيخاً يسمى "عيدان" , يستسقي على بعير له , وكان جعفياً صحيح النسب.
2/ وحدّث التنوخي أيضاً عن أبيه قال:
حدثني أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي الزيدي , قال: كان المتنبي وهو صبي ينزل في جواري الكوفة , وكان يعرف أبوه بعيدان السقاء يستسقي لنا و لأهل المحلة.
3/ و قال أبو الحسن العلوي الزيدي أيضاً من حديث التنوخي عنه: كان عيدان والد المتنبي , يذكر أنه جعفي , واكنت جدة المتنبي همدانية صحيحة النسب لا أشك فيها , وكانت جارتنا , وكانت من صلحاء النساء الكوفيات ..........
4/ثم قال التنوخي (علي بن المحسن) , قال أبي:
فاتفق مجيء المتنبي بعد سنين إلى الأهواز منصرفاً من فارس , فذكرته بأبي الحسن (يعني محمد بن يحيى العلوي الذي مر آنفاً) فقال: تربي و صديقي و جار ي بالكوفة و أطراه و وصفه.
(و سألت المتنبي عن نسبه فما أعترف لي به , وقال: أنا رجل أخبط القبائل , وأطوي البوادي وحدي , ومت انتسبت لم آمن من أن يأخذني بعض العرب بطائلة بينها و بينالقبيلة التي أنتسب إليها , وما دمت غير منتسب إلى أحدٍ , فأنا أسلم على جميعهم ويخافون لساني).
هذا ما ذهب إليه رواتنا ممن وقع إلينا كلامهم في نسب المتنبي يزيد بعضهم و ينقص بعض .....
أولاً: من هو التنوخي؟؟!!
هو القاضي أبو علي المحسّن بن علي التنوخي ولد سنة 327هـ , تقلد القضاء سنة 346هـ , فكان من أصحاب الوزير أبي محمد المهلبي.
التفنيد:
1/ كان المتنبي حين دخل بغداد في طريقه إلى عضد الدولة بشيراز , قد ترفع (لاحظ كلمة ترفع) عن أن يمدح الوزير المهلبي , فأغرى المهلبي به الشعراء و غيرهم , فلا عجبأن يكون محسن التنوخي من أعداء أبي الطيب لصلته القريبة بالوزير.
¥