ـ[النفس]ــــــــ[12 - 02 - 2008, 12:52 ص]ـ
:::
ان البدوي الذي يتنقل في الصحراء ويسيح فيها لابد له أن ينتمي الى رئيس قبيلة، ويدخل تحت حمايته، كي ينجو من شر الاشقياء، وينجز اشغاله ويتدارك حاجاته، وإلاّ فسيبقى وحده حائراً مضطرباً أمام كثرة من الاعداء، ولا حد لها من الحاجات.
وهكذا .. فقد توافق ان قام اثنان بمثل هذه السياحة؛ كان احدهما متواضعاً، والآخر مغروراً، فالمتواضع انتسب الى رئيس، بينما المغرور رفض الانتساب. فتجولا في هذه الصحراء .. فما كان المنتسب يحل في خيمة إلا ويقابل بالاحترام والتقدير بفضل ذلك الاسم وإن لقيه قاطع طريق يقول له: ((إنني اتجول باسم ذلك الرئيس)) .. فيتخلى عنه الشقي. اما المغرور فقد لاقى من المصائب والويلات ما لا يكاد يوصف، اذ كان طوال السفرة في خوف دائم ووجل مستمر، وفي تسوّل مستديم، فأذلّ نفسه واهانها.
فيا نفسي المغرورة! إعلمي! .. انك انتِ ذلك السائح البدوي. وهذه الدنيا الواسعة هي تلك الصحراء. وان ((فقرك)) و ((عجزك)) لاحد لهما، كما ان اعداءك وحاجاتك لا نهاية لهما. فما دام الأمر هكذا؛ فتقلدي اسم المالك الحقيقي لهذه الصحراء وحاكمها الأبدي، لتنجي من ذُلّ التسول امام الكائنات، ومهانة الخوف امام الحادثات.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[13 - 02 - 2008, 05:28 ص]ـ
جزاك الله خيرا
وما أجمل حديث النفس للنفس يا نفس:): D:)
دمت طيبا مطمئنا
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[16 - 02 - 2008, 06:15 م]ـ
إليكم تلك الدرة البهية من كلام ابن قيم الجوزية
فصل ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة المحبة
وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون،وإليها شخص العاملون،وإلى علمها شمر السابقون،وعليها تفانى المحبون،وبروح نسيمها تروح العابدون،فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون،وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات،والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات،والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام،واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.
وهي روح الإيمان والأعمال،والمقامات والأحوال،التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه،تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها،وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها،وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها،وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب،وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب،تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب،وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب،فيا لها من نعمة على المحبين سابغة،تالله لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون، وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون
من لي بمثل سيرك المدلل ... تمشي رويدا وتجي في الأول
أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم حي على الفلاح،وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم وكان بذلهم بالرضى والسماح،وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح،تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم،وشكروا مولاهم على ما أعطاهم،وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح.
فحيهلا إن كنت ذا همة فقد = حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
وقل لمنادي حبهم ورضاهم = إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا
ولا تنظر الأطلال من دونهم فإن = نظرت إلى الأطلال عدن حوائلا
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد = ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا
وخذ منهم زادا اليهم وسر على= طريق الهدى والفقر تصبح واصلا
وأحي بذكراهم سراك إذا ونت = ركابك فالذكرى تعيدك عاملا
وإما تخافن الكلال فقل لها = أمامك ورد الوصل فابغ المناهلا
وخذ قبسا من نورهم ثم سر به = فنورهم يهديك ليس المشاعلا
وحي على واد الأراك فقل به = عساك تراهم فيه إن كنت قائلا
وإلا ففي نعمان عند معرف ال = أحبة فاطلبهم إذا كنت سائلا
وإلا ففي جمع بليلته فإن = كفت فمتى يا ويح من كان غافلا
وحي على جنات عدن بقربهم = منازلك الأولى بها كنت نازلا
ولكن سباك الكاشحون لأجل ذا = وقفت على الأطلال تبكي المنازلا
فدعها رسوما دارسات فما بها = مقيل فجاوزها فليست منازلا
رسوم عفت يفنى بها الخلق كم بها = قتيل وكم فيها لذا الخلق قاتلا
¥