يريدُ أنّها سُلّتْ من كرمِها عِنَباً، ثم سُلّتْ من عِنَبِها خمراً، ثم سُلّتِ الخمرُ من دنِّها. وقيلَ بل أراد رقَّتَها وأنها قد صارتْ مسلولةً من السِّلِّ الذي هو العِلّة. وليس على قُبْحِ هذا البيت زيادة. وقد كان الأصمعيّ يستَبْشِعُ قولَ الشاعر:
فما للنّوَى، جَدَّ النّوى، قَطعَ النّوى ... كذاك النّوى قطّاعةٌ لوِصالِ
ويقول: لو سلّط الله على هذا البيت شاةً لأكلتْ نواهُ، وأراحتِ الناسَ منه:).
الصناعتين لأبي الهلال
وقد جاء في أشعار المتقدمين من هذا الجنس نبذ يسير منه قول امرئ القيس:
وسنّ كسَّنيقٍ سناءَ وسنَّماً ... ذعرت بمدلاج الهجير نهوضِ
ولم يعرف الأصمعي وأبو عمرو معنى هذا البيت، وقال الأعشى:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبُعني ... شاوٍ مشلٌّ شلول شلشلٌ شولُ
تبعه مسلم بن الوليد، فقال:
سلّتْ وسلتْ ثم سلَّ سليُلها ... فأتى سليلُ سليلها مسلولا
وقال أبو الغمر يصف السحاب:
نسجته الجنوبُ وهي صناعٌ ... فترّقى كأنه حبشيُّ
وقرى كلَّ قريةٍ كان يق ... ريها قرىً لا يجف منه قريُّ
وهذا مستهجن لا يجوز لمتأخر أن يجعله حجة في إتيان مثله، لأن هذا وأمثاله شاذ معيب، والعيب من كل أحد معيب، وإنما الاقتداء في الصواب لا في الخطأ.
وقد قال بعض المتأخرين ما هو أقبح من جميع ما مر في قوله وليس من التجنيس:
ولا الضِّعف حتى يتبعَ الضّعف ضعفهُ ... ولا ضعفَ ضعفِ الضِّعفِ بل مثله ألفُ
وقوله:
فقلقلتُ بالهمّ الَّذي قلقلَ الحشا ... قلاقلَ عيسٍ كلُّهنّ قلاقلُ
البديع في نقد الشعر لأسامة بن منقذ
وكما قال الأعشى في قصيدته التي أولها: ودع هريرة إن الركب مرتحل وهي في غاية الفصاحة:
وقدْ غدوت إلى الحاناتِ يتبعني ... شاوٍ مشلّ شلولٌ شلشلٌ شولُ
سئل الأصمعي عن هذا البيت فقال: لا أعرف معناه.
ومنه قول مسلم في الخمر:
سلتْ وسلتْ ثم سلَّ سليلها ... فغدا سليلُ سليلها مسلولا
وتبعه أبو تمام في مثل هذا فقال يصف مطراً:
وقرى كلَّ قريةٍ كان يق ... ريها قرىً لا يجف منه قريُّ
جمع الغثانة والرثاثة والثقل والركاكة.
وقال أبو الطيب المتنبي:
وقلقلَ بالوجد الذي قلقلَ الحشا ... قلاقلَ همٍّ كلهنَّ قلاقلُ
فقال بعض البلغاء: إن الأعشى شلشل، وإن مسلماً سلسل، وإن المتنبي قلقل.
ولقد أحسن من قال:
إن حشو الكلام من لكنة ال ... مرء، وإيجازه من الإحسان
دمتم بخير
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[12 - 02 - 2008, 04:34 م]ـ
أخي الكريم جُزيت خيرا
وكلامك عين الصواب بان تكرار اللفظ مقبح عند العرب، ولكن الا ترى أن لكل قاعدة شواذ؟؟
فمثلا المتنبي
ما وصلنا من ديوانه إلا بعضه، فحذف المتنبي الكثير منه لرخاوته وضعفه، ولا يخلو لديك جزالة وقوة المتنبي في شعره، وكذلك من ذكرتهم كالاعشى، فهل تعتقد بأنهم كرروا اللفظ اعتباطاً؟
لو كان غير من ذكرت من الشعراء، لوافقتك:)
بانتظار مزيدك يا ابا سهيل:)
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[13 - 02 - 2008, 05:21 ص]ـ
فهل تعتقد بأنهم كرروا اللفظ اعتباطاً؟
لا ولا أظن أحدا يقول بهذا فكل كلمة لها معنى مقصود وهؤلاء فحول الشعراء
حتى بيت مسلم بن الوليد على الرغم من أنهم وصفوه بأنه الغاية في القبح إلا أنهم ذكروا له معنى طريفا يقول صاحب الرسالة الموضحة في ذكر سرقات المتنبي و ساقط شعره
قلت: إن مسلماً وإن كّرر اللفظ، فلبيته معنى لطيف أنا أورده، وقد أورده الباهلي في كتاب (المعاني)، فزعم أنه يريد هذه الحمرة سلت من الكرم باقتطافه، ثم سلت من العنب باعتصاره، ثم سلّ العصير من الدن ببزله، وقوله:
فغداَ سَليلُ سَليلها مسَلولا
يريد بول شاربها.اهـ
فتعمد الجناس بين الألفاظ وكثرة التكرار هو السبب في استشناع هذه الأبيات لا المعاني.
ومع فحولة هؤلاء فالأمر كما قال أبو الهلال
هذا مستهجن لا يجوز لمتأخر أن يجعله حجة في إتيان مثله، لأن هذا وأمثاله شاذ معيب، والعيب من كل أحد معيب، وإنما الاقتداء في الصواب لا في الخطأ. اهـ
وقديما قالوا لكل جواد كبوة ولكل سيف نبوة
دمت سالما يا رسالة الغفران
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[22 - 02 - 2008, 04:22 ص]ـ
أين أنت يا رسالة الغفران؟
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[22 - 02 - 2008, 01:59 م]ـ
أخي الكريم أبا سهيل .. ان شاء الله
كلامك جميل جدا، وتتحدث بعين المنطق، لله درك يا ابا سهيل، أمهلني ختى المساء وسأجيب بحول الله وقوته
ودمت سالما.
ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[22 - 02 - 2008, 02:26 م]ـ
أبا سهيل .. أمتعتنا .. فزندا بفرط الحب فيك تحيرا ..
سلمت
ـ[عصام الظفاري]ــــــــ[22 - 02 - 2008, 03:39 م]ـ
:):):)
مشكور أخي أبو سهيل على هذة المشاركة الجميلة والرائعة
بارك الله فيك وأدامك.
:):)
.............
مع تحيات أبو أحمد الظفاري
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[22 - 02 - 2008, 08:32 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وقديما قالوا لكل جواد كبوة ولكل سيف نبوة
نعم كما قلت يا عم، ولكن المتنبي لا يكبو هكذا
أتعلم واظن بأنك تعلم بأن المتنبي لم يضع شعره كله في ديوانه الذي قام بجمعه ابن جني، اتعرف لماذا .. ؟
لكي يزيل كبواته:)
أقرأ هذا البيت مع كثرة الجناس فيه ولكنه ابداع، لشاعر صالح العرندس:
فذلي بكم عزٌ وفقري بكم غنىً = وعسري بكم يسرٌ وكسري بكم جبر
يا عمي الكريم .. أعلم بأن الجناس وتكرار المعاني امر شنيع لدى الكثير من علمائنا الأفاضل.
ولكن في بعض الأحيان يشل البيت إن لم يكرر فيه اللفظ وا يضع الجناس، كذلك السجع ففي وقتنا الحالي هو منبوذ لدى الكثيرين .. لماذا؟؟ لأن الكتّاب يتكلفون في السجع ولكن عندما تقرأ ما قاله السابقون .. كقول فاطمة الزهراء: r :
الحمدلله على ما أنعم، وله الشكر على ما الهم، والثناء بما قدم، من جزيل عموم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها ... الخ
قمة البلاغة
ومن الجناس البديع قول امرؤ القيس الذي أوقف العرب على قدم وساق: D
(( مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعاً)) = كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ
أخي الكريم أبا سهيل، أستميحك عذرا على الإطالة.
وما ذكرته من كلام لا اعلم مدى صحته فلعلي أكون مخطئا.
ودمت سالما، وإلى اللقاء العاجل إن شاء الله
¥