روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أصدق كلمةٍ قالها شاعر قول لبيد
ألا كل شيء - ما خلا الله - باطل ** وكل نعيم - لا مَحالة - زائلُ "
ونلاحظ من هذا الحكم الذي حكم به الرسول:=على قولة لبيد أن الرسول:= قد رأى فيها ما يتسق مع الروح الإسلامية، ويترجم عن وحي الإسلام.
وحينما ينشده النابغة الجَعدي قصيدته التي مطلعها:
خليلَيّ عُوجا ساعة وتهجَّرا ** ولُوما على ما أحدَث الدهر أو ذرا1
يُعجب الرسول هذا الشعر، وحينما يبلغ قوله:
بلَغْنا السماءَ مجدُنا وجدودُنا ** وإنا لنرجو فوقَ ذلك مَظهرا
يظهر الغضب في وجه الرسول:=، ويقول للنابغة: "إلى أين أبا ليلى؟ " فقال: إلى الجنة، فيقول الرسول - وقد اطمأن إلى أنه حين عبّر بمجد جدوده المتطاول قد انتهى إلى التطلع في ظل الإسلام إلى ما هو أعظم -: "نعم إن شاء الله".ويمضي النابغة قائلاً:
ولا خير في حِلمٍ إذا لم تكن له ** بوادرُ تحمي صَفوَه أن يُكدَّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ** حليمٌ إذا ما أورد الأمر أصدرا
فيزداد ارتياح الرسول الكريم إلى ما يسمع من وحي الروح الدينية، ومن التوجيه الخلقي الرشيد، ويقول له: "لا يَفضُض الله فاك"ويطرب الرسول لشعر كعب بن زهير حين يمدحه بقصيدته التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ** متيم إثرها لم يفد مكبول
وحين يبلغ كعب قوله:
إن الرسول لنور يستضاء به ** مهند من سيوف الهند مسلول
يصلح له الرسول قوله هذا ويجعله:
................................ ** مهند من سيوف الله مسلول
ونلمح من خلال هذا النقد النبوي ما انطوى عليه من تعديل وجّه كعباً إليه، حيث الرأي الصائب والقول السديد، وهو أن سيوف الله هي التي لا تفل، ولا تنبو ظباتها، ولا تحيد عن مواطن الحق، أما غيرها من السيوف فهي تفل وتنبو وتتلثم، وهذا معنى إسلامي جميل.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على كعب بن مالك، وهو ينشد، فلما رآه كعب بدا كأنه انقبض، فقال الرسول: "ما كنتم فيه؟ " قال: كنت أنشد، فقال له: "أنشد"، فأنشد حتى أتى على قوله:
مَجالِدنا عن جِذْمِنا كل فخمة
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيصِحّ أن تقول:
مَجالِدنا عن ديننا كل فخمة؟
قال: نعم، فقال له: "فهو أحسن".
وواضح من هذا التوجيه الذي أسداه الرسول:=إلى كعب أن الجلاد والقتال إنما ينبغي أن يكون عن الدين، لا عن الأصل والنسب.
- المقياس البياني: ونعني به قياس النتاج الأدبي، وتقويمه على أساس ما ينبغي أن يكون عليه النظم أو الكلام من جمال الأسلوب وروعة الأداء، وحسن النظم، وهو ما نسميه بالبيان والبلاغة، ويتصل بهذا المقياس، سلامة القول وسلامة التعبير والتزام الصدق، والبعد عن التكلف. وحينما نتصفح نقدات الرسول الآتية، نجدها قائمة على هذا الأساس واضحة خير ما يكون الوضوح. روي أن الرسول:=سأل عمرو بن الأهتم عن الزبرقان ابن بدر، فقال عمرو: مانع لحوزته مطاع في عشيرته، فقال الزبرقان: أما إنه قد علم أكثر مما قال، لكنه حسدني شرفي، فقال عمرو: أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا ضيق العَطَن، زَمِن المروءة، لئيم الخال، حديث الغِنى، فلما رأى الإنكار في عيني الرسول بعد أن خالف قوله الآخر قوله الأول، قال: يا رسول الله! رضيتُ فقلت أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما علمتُ، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الثانية، فقال النبي:=: "إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة".وقد انطلق حكم الرسول الكريم هذا على قول عمرو بن الأهتم لما يحويه هذا القول من أسلوب جميل وأداء رائع، يأسر النفس ويفعل بها فعل السحر، ولما فيه من حكمة ومعنى حسن.
كان رسول الله:= يستحسن قول طرفة بن العبد ويتمثل به، وهو قوله:
ستُبدي الأيام ما كنت جاهلا ** ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّد
¥