ـ[الباحثة عن الحقيقة]ــــــــ[19 - 02 - 2008, 04:18 ص]ـ
لن أستطيع التطاول لأحاكم أدبنا الشامخ والذي سطر تاريخ حضارتنا العريقة منذ الأزل، ولكن ربما تكون نظرة أو حرفاً في مشروع دراسة أونقد فليتكم تشاركوني النقاش أو تهدوا إلي أخطائي ..
إن الأدب كان وما يزال مرآة عصره بكل ما يحويه هذا العصر من فن وعلم وأخلاق وسياسة ودين وثقافة وفكر وأعراف وتقاليد ..
فإن ارتقوا ارتقى وإن انحطوا انحط .. فكأن الأدب بكل ألوانه تأريخ وتوثيق لحضارة الشعوب، ومن يدرسه ويبحث في أساليبه ومعانيه يستطيع أن يعرف من أي عصر هو ..
وعندما نتعاطى مع الأدب .. كتأريخ ودراسة لانستطيع أن نغفل شيئاً من باب العلم والدراسة فنذكر الغث والسمين، فحكمنا عليه كغث أو سمين يرتبط بنوعية ثقافتنا ورؤيتنا للأدب بمعايير معينة اتفقت في أمور معينة فنية غالباً واختلفت في أمور أخرى تتصل بالفكر والثقافة والدين والحضارة، وقد وضعت لتحكم المبنى والمعنى، وإن ابتعدنا عن التأريخ للأدب كدراسة وعلم لنتذوقه كفن نجد أنفسنا سنعجب بأبيات لقوتها وجودة صياغتها ومتانة نسجها وسلاسة لفظها رغم أننا قد نعيب معانيها أو أغراضها كالهجاء مثلاً فلن أستطيع تجاهل سلاسة أبيات جرير وقوة شعر الفرزدق والأخطل وإبداعاتهم رغم أني لا أحب غرض الهجاء ولا أستسيغه مهما أبدعوا فيه (وهذا أمر شخصي) وكذلك المديح للتكسب فمهما علا شعر حسان بن ثابت وقوي وجزل في المديح إلا أنني عندما أجده يدفعه للغساسنة والمناذرة للتكسب منهم أشعر بالامتعاض وألتفت لأحيي شعره الإسلامي رغم أنه ضعف قليلاً بمبناه وشكله .. رغم أن الكثير من الشعراء استطاع جذبنا بالشكل والمعنى والهدف والمضمون مع اختلاف المعايير من بيئة لأخرى ومن فكر لآخرومن زمن لآخر ..
ولو تأملنا الشعر الجاهلي لوجدنا أن للجاهليين معاييرهم للحكم عليه من حيث المبنى والصياغة وفن التعامل مع العروض والقوافي واتباع قواعد وتسلسلٍ معينٍ من الوقوف على الأطلال ووصف الناقة والخمر و فراق الحبيبة وما إلى ذلك حتى يصل الشاعر غلى غرضه الرئيسي بعد طول انتظار منه ومنا، ثم الخاتمة .. أما المعاني فقد كانت تختلف حسب شخصية الشاعر ونفسيته وبيئته ففرق كبير بين معاني امرئ القيس من ناحية الفحش وبين عنترة وعفته .. ومع ذلك فقد علق العرب قصائد الاثنين على أستار الكعبة المشرفة واعتبرت من عيون الشعر ..
ولكن النقطة الأهم أننا الآن في عصر منَّ الله علينا بالإسلام وما أتانا به الرسول الكريم من أوامر ونواهٍ لايحق لنا تجاوزها أو التغاضي عنها وأحكامنا لابد أن تنضوي تحت جناح هذا الدين من حلال وحرام فأبيات عنترة التي علقت آنذاك ورغم روعتها أدبياً وفنياً يقول فيها:
ولقد شربت من المدامة بعدما= ركد الهواجر بالمشوف المعلم
فإذا سكرت فإنني مستهلك = مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندىً = وكما علمت شمائلي وتكرمي
فهو لا يعتبر الخمر عيباً بل يذكرها في معرض فخره بشمائله فقد تعجبني فنياً ولكني أذكر حرمة الخمر فأعيبها
وهذا عمرو بن كلثوم الذي قال في الفخر أبياتاً مجلجلة تهز المشاعر وتقشعر الأبدان لصلابتها مبنىً ومعنىً:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا = فنجهل فوق جهل الجاهلينا
لنا الدنيا ومن أمسى عليها = ونبطش حين نبطش قادرينا
إذا بلغ الفطام لنا صبيٌ = تخر له الجبابر ساجديناولكننا بعدما منَّ الله علينا بدينه الحنيف نلتزم بمبادئه وأحكامه فنرفض أن نجهل فوق جهل الجاهلين، كما نعوذ بالله من البطش والظلم والظلام ... أما السجود فلايجوز إلا لرب العزة فخير لي عند الحكم أن أحكم للعدل أولاً بمعيار المرحلة نفسها ورؤاها ثم أعود بالحكم الشخصي لنفسي وثقافتي وبيئتي وفكري
ونأتي إلى العصر الإسلامي بمختلف مراحله وهي تتباين بين الضعف والخور وبين القوة والنضوج الديني والفكري والأدبي فنجد الشعر متبايناً كذلك .. وعندما ننظر إلى أحد هذه المراحل و وأقتبس هنا من كلام الأخ ليث قوله:" حتى نحاكم أدبنا ينبغي أن ننظر إليه نظرة شمولية، تتسم بالموضوعية وتراعي الظروف والأحوال والأجواء التي ألقت بظلالها عليه في كل عصر من عصوره، دون إطلاق للأحكام مجازفة وبعيداً عن تدخل المزاج ".وخير ما يدلنا على اختلاف النظرة والحكم بين الجاهلية والإسلام شاعر النبوة حسان بن ثابت فكان قبل الإسلام هجاءً
¥