تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ إلَى أَنَّ هَذَا الْمُصْحَفَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَقَرَّرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الباقلاني وَغَيْرِهِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ تُهْمِلَ نَقْلَ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِ هَذَا الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ الْعُثْمَانِيِّ وَتَرْكِ مَا سِوَاهُ حَيْثُ أَمَرَ عُثْمَانُ بِنَقْلِ الْقُرْآنِ مِنْ الصُّحُفِ الَّتِي كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَتَبَا الْقُرْآنَ فِيهَا ثُمَّ أَرْسَلَ عُثْمَانُ بِمُشَاوَرَةِ الصَّحَابَةِ إلَى كُلِّ مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ بِمُصْحَفِ وَأَمَرَ بِتَرْكِ مَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ بِبَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ.

[أجوبة أنصار القول الأول]

وَمَنْ نَصَرَ قَوْلَ الْأَوَّلِينَ يُجِيبُ تَارَةً:

[الجواب الأول]: بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَى الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ جَائِزًا لَهُمْ مُرَخَّصًا لَهُمْ فِيهِ وَقَدْ جُعِلَ إلَيْهِمْ الِاخْتِيَارُ فِي أَيِّ حَرْفٍ اخْتَارُوهُ. [عبارة مُحَمَّد بْنِ جَرِيرٍ في مقدمة تفسيره: الأمة أمرت بحفظ القرآن وقراءته، وخُيِّرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت: فرأت قراءتَهُ بحرف واحدٍ، ورفْضَ القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحْظُرْ قراءته بجميع حروفه على قارئه، بما أذن له في قراءته به]

قال أبو العباس: كَمَا أَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ مَنْصُوصًا؛ بَلْ مُفَوَّضًا إلَى اجْتِهَادِهِمْ؛ وَلِهَذَا كَانَ تَرْتِيبُ مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ مُصْحَفِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ مُصْحَفُ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا تَرْتِيبُ آيَاتِ السُّوَرِ فَهُوَ مُنَزَّلٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوا آيَةً عَلَى آيَةٍ فِي الرَّسْمِ كَمَا قَدَّمُوا سُورَةً عَلَى سُورَةٍ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ مَأْمُورٌ بِهِ نَصًّا وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّوَرِ فَمُفَوَّضٌ إلَى اجْتِهَادِهِمْ.

قَالُوا: فَكَذَلِكَ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ فَلَمَّا رَأَى الصَّحَابَةُ أَنَّ الْأُمَّةَ تَفْتَرِقُ وَتَخْتَلِفُ وَتَتَقَاتَلُ إذَا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ اجْتِمَاعًا سَائِغًا وَهُمْ مَعْصُومُونَ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَرْكٌ لِوَاجِبِ وَلَا فِعْلٌ لِمَحْظُورِ.

[الجواب الثاني]: وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ التَّرْخِيصَ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ؛ لِمَا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا فَلَمَّا تَذَلَّلَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَكَانَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ يَسِيرًا عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَرْفَقُ بِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى الْحَرْفِ الَّذِي كَانَ فِي العرضة الْآخِرَةِ. وَيَقُولُونَ: إنَّهُ نُسِخَ مَا سِوَى ذَلِكَ.

[قال بهذا أبو جعفر الطحاوي وعبارته في المشكل: وَكَانَتْ هَذِهِ السَّبْعَةُ لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ فِي عَجْزِهِمْ عَنْ أَخْذِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَثُرَ مَنْ يَكْتُبُ مِنْهُمْ، وَحَتَّى عَادَتْ لُغَاتُهُمْ إلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَءُوا بِذَلِكَ عَلَى تَحَفُّظٍ الْقُرْآنَ بِأَلْفَاظِهِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا فَلَمْ يَسَعْهُمْ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْرَءُوهُ بِخِلَافِهَا وَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ إنَّمَا كَانَتْ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ لِضَرُورَةٍ دَعَتْ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ تِلْكَ الضَّرُورَةُ فَارْتَفَعَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير