تأملاتٌ في توجيه القرآن للعصاة والمجرمين , شارك بما تصل إليه.!
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[26 Nov 2007, 06:45 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سينا وقدوتنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه, وبعد:
فإن القرآن سلك مع العصاة مسلكاً بديعاً في التبصرة والتذكير وسلك مع كل صنف منهم مسلكاً رفيعاً في التوجيه والإرشاد, وسأوجز الحديث عن كل أسلوب استطعت تمييزه بما يتضح معه مرادي وإن كان صواباً فلا فضل فيه ولا حول ولا قوة إلا لله ,وإن كان غير ذلك فلا حظ فيه لغير نفسي والشيطان, واللهُ ورسوله منه بَراء.
1 - ولاية الإنسان للشيطان وعاقبتها السيئة عليه:
لقد اتخذ القرآن في ثنايا الحديث عن المعاصي والذنوب طريقاً يجعل النفس السليمة التي تتأثر وتتدبر تحمل تصوراً عن المعصية أنها تبعية مقيتة لعدوٍّ متربصٍ لا يريد لتابعه خيراً, بل يريد أن يُضله ويغويه ليكون شريكاً له في عذاب جهنم والمقام فيها كما قال الله (إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) وهذا التعبير الدقيق الذي حصر الله فيه مقصد إبليس من غواية الخلق يدل على غدر الشيطان الرجيم ومكره فلا مقصد له إلا شراكة من يغويهم معه في عذاب السعير, ولذلك نجد آيات كثيرة في القرآن تجعل متولي كبر الأوزار هو إبليس باعتباره الباعث والموسوس والموحي للبشرية بتزيين التمرد على أوامر الله , واقتحام زواجره ومناهيه, وهذا الأسلوب فيه إيحاءٌ للعاصي بأنه ضحيةٌ ولو كان آثماً ومرتكباً لما يوجب له العقوبة فلا يتعاظمْ ذنبه أمام عفو الله, ولا يقارن نفسه بمن غرَّر به فهذا الموسوس لا فكاك له من عذاب الله خلافاً لك أيها الضحية فلا زال الباب مفتوحاً أمامك لإصلاح الحال واستقامته, وهذا في الحقيقة أدعى إلى الأوبة والرجوع مما لو كان العاصي هو المدبر والمزين والفاعل والآثم وحده , ومن موارد ذلك قوله تعالى (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) وقوله تعالى (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) وقوله تعالى (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) وقوله تعالى (ويريد الشطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) وقوله تعالى (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) وقوله تعالى حكايةً عن إبليس (لأحتنكنَّ ذريته إلا قليلاً) وقوله تعالى (لأغوينهم أجمعين) وقوله تعالى (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) وقوله تعالى (وكان الشيطان للإنسان خذولاً) وقوله تعالى (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) وقوله تعالى (ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً) وقوله تعالى (إن الشيطان لكم عدوٌّ فاتخذوه عدواً) وقوله (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) , وقوله تعالى (وما يعدهم الشيطان إلا غروراً) قال ابن عاشور في تفسير الغرور: إظهار الشيء المكروه في صورة المحبوب الحسن. انتهى , وهذا إخبار من الله لعباده العاصين المتبعين خطوات الشيطان بأن موعوداته التي يعدهم إياها ليست إلا ضرباً من الأباطيل والأكاذيب , وهذا لو تأملناه اليوم لوجدناه سبباً رئيساً في بعد الكثيرين عن الله وتنكبهم طريق الهداية والرشاد , فلو علم الزاني يقيناً أن الزنا إلى جنب ما فيه من سخط الله وانتهاك محارمه ليس إلا حسرةً ومرضاً يجده الزاني في نفسه وربما في بدنه بعد انقضاء شهوته لما عاد إليه, لكن لعدم اليقين بأن وعد الشيطان بحصول لذة لا تتهيأ بغير الزنى محض غرور وزور يعود الزاني إلى جرمه ترقباً لموعود الشيطان بحصول اللذة ونيلها وأنى له, وكذلك حال شارب المخدرات فهو في هم وغم وذهاب عقل ومرض وفقر ومع ذلك يركض ويضحي بكل شيء ترقباً لحصول موعود الشطيان بنسيان الهموم والمشاكل وأنى لذلك الوعد أن يتحقق وقس على ذلك كل المعاصي, وغير ذلك من عشرات الآيات التي لا يمكن حصر جميعها.
2 - بيان أن تبعة المعصية وضررها يكون على العاصي وعلى المجتمع أيضاً:
¥