تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بحث: النص بين التشريع والإخبار (طارق البشري)]

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[22 Dec 2007, 09:04 م]ـ

النص بين التشريع والإخبار

بقلم - المستشار طارق البشري

قاضٍٍٍِ ومؤرخ مصري

المصدر: إسلام أون لاين ( http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1196786352852&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout)

يتعامل رجل القانون دائما مع نصوص، سواء بالنسبة لعمله النظري والتفسيري، وبالنسبة لممارسته التطبيقية في القضاء والإفتاء؛ لأنه دائما يتعامل مع مبادئ وقواعد مصوغة في عبارات عامة، كما أنه يتعامل مع وقائع وأحداث جرت وتمت ويتلقاها هو في صياغات خبرية، فهو في الأغلب الأعم لا يتعامل مع الحدث إبان حدوثه ولا مع الواقعة في حال جريانها، ولكنه يتعامل معها عند الإخبار عنها بعد تمامها، ويكون التحقق من صواب الإخبار عنها جزءا من عمله، وذلك في مجال عمله التطبيقي وتكون غاية عمله التطبيقي هي إنزال أحكام النصوص المصوغة في مبادئ وقواعد عامة على ما أخبر به الواقع من أحداث ونوازل معينة، وذلك لتقرير المركز القانوني الشرعي لمن تلحقهم آثار الحدث بعد تمامه.

فثمة قاعدة عامة ومبدأ عام مصوغ في نصوص وهو ما نسميه التشريع أو القاعدة القانونية، وثمة إخبار بواقع حادث صيغ في نصوص أيضا، وهو ما نسميه الدليل الذي تحكمه قواعد الإثبات، ولكن شتان ما بين النوعين من النصوص من حيث الطبيعة ومن حيث طرائق التعامل مع كل منهما، وإن منهج التعامل مع النص يختلف حسب طبيعته وما أعد من أجله، تشريعيا كان هذا النص أو إخباريا يتعلق بوزن الدليل على ثبوت الوقائع.

والنص عامة هو عبارات محددة بألفاظها يراد بها معنى من المعاني، وهو عبارات مكتوبة أو مروية تثبت برسمها ويتناقلها الناس بحرفها، وإن المتلقي لها يستخلص منها دلالات فكرية حول معنى من المعاني ويرتب عليها النتائج، بمعنى أنها تشكل صيغة من العبارات المحددة بكلمات وألفاظ تفيد معاني وتنتقل إلى الناس بالقراءة أو بالسماع، وهم يتعاملون معها ويتفاعلون معها، وهنا يرد الفارق الأساسي في النصوص، بين ما يمكن أن نسميه "النص التشريعي" الذي يتعلق بمبادئ وقواعد عامة، وبين ما نسميه هنا "النص الإخباري" أو النص التاريخي الذي يتعلق بذكر واقعة أو حادث، ويقوم به دليل على ثبوتها أو نفيها.

النص التشريعي يتشكل في صورة نموذج قابل للتكرار بموجب طبيعته وبمقتضى أصل وظيفته المؤداة أو المقصود تأديتها، وهو آمر بشيء أو ناه عن شيء أو مرتب لأثر ونتيجة على فعل أو مقدمة. والنص الإخباري أو التاريخي يتشكل في صورة إخبار عن واقعة أو حادثة نزلت من وقائع الزمان الماضي أو الحاضر أو يمثل قولا عنها أو تعليقا عليها فهو مثبت لوجوه ممارسة، وهو ذكر نازلة أو بيان موقف عيني أو فعل لبشر أو قول لبشر. ولكل من هذين النوعين أساليب مختلفة ومناهج متباينة في التعامل.

وجوه تفهم النص التشريعي

النص التشريعي نص معد لكي يحكم تصرفات الناس بعد صدوره، سواء أكانت معاملات كبيع وزواج أو سلوكيات كصلاة وصوم أو عقوبات، وهو بأصل وجوده نص "متعد" وليس مجرد نص "لازم" بالمعنى اللغوي لهذين المفهومين، أي أنه نص لا ينفذ على مصدره فقط ولا تقتصر دلالته في شأن من أصدره ولا تنحصر دلالته في محتوى عيني له، إنما هو دائما يتعدى إلى الغير، بل إن المقصود من إصداره هو أن يتعدى إلى الغير ويحكم أنشطتهم.

والنص التشريعي يصدر في الحاضر، أي في الزمان الذي يصدر فيه، فلا ترد دلالته ولا أثره على الماضي الذي تم وجرى قبله، وذلك سواء أكان نصا تشريعيا إلهيا ورد بالقرآن الكريم "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"، وكذلك: " ... إلا ما قد سلف"، بمعنى أن النص المحرم لزواج معين لا يسري على ما سلف من زيجات مخالفة له، سواء أكان كذلك أو كان نصا تشريعيا وضعيا ورد في قوانين الدولة "مبدأ عدم رجعية القوانين". فهو دائما نص "قبلي"، أي يصدر قبل ما يتعامل معه من أحداث، من حيث استخلاص مفاده مما هو تال لصدروه وخاضع لمجاله، ومن حيث تطبيق دلالته على ما يعقبه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير