قوله تعالى ? قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُو
ـ[ابن الصفوة]ــــــــ[18 Oct 2007, 06:46 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ? قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? سورة الزمر آية (53)
موضوع الآية:
دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة إلى الله , وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا وإن كثرت لمن تاب منها.
مناسبة الآية لما قبلها:
لمَّا شدد الله تعالى على الكفار وذكر ما أعد لهم من العذاب، وأنهم لو كان لأحدهم ما في الأرض ومثله معه لافتدى به من عذاب الله، ذكر ما في إحسانه من غفران الذنوب إذا آمن العبد ورجع إلى الله.
وكثيراً تأتي آيات الرحمة مع آيات النقمة ليرجو العبد ويخاف.
سبب النزول:
روى البخاري في صحيحه , كتاب التفسير , باب) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا ... ) برقم 4532:
حدثني إبراهيم بن موسى: أخبرنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم: قال يعلى: إن سعيد بن جبير أخبره، عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ:
? وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ?
وَنَزَلَ:
? قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ?
وجاء في بعض كتب التفاسير وفي كتاب فتح الباري قوله: (لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة) في رواية الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس أن السائل عن ذلك هو " وحشي بن حرب " قاتل حمزة , وأنه لما قال ذلك نزلت? إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ?الآية فقال: هذا شرط شديد , فنزلت ?قل يا عبادي ?الآية. وروى ابن إسحاق في " السيرة " قال: حدثني نافع عن ابن عمر عن عمر قال " اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص أن نهاجر إلى المدينة " فذكر الحديث في قصتهم ورجوع رفيقه فنزلت ? قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ? الآية قال فكتبت بها إلى هشام.
اللغة:
أسْرَفوا: تجاوَزوا الحدّ في المعاصي
لا تَقْنَطُوا: لا تيْأسوا
التفسير:
قوله تعالى:? قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ? قل يا محمد صلى الله عليه وسلم - مبلغاً عن ربك _ لعبادي الذين تمادوا في المعاصي, وأصرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه من الذنوب: لا تقنطوا من رحمة الله
_ و قوله: {لا تقنطوا من رحمة الله} أي: لا تيأسوا من رحمة الله لكثرة ذنوبكم
_ وقوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعا}: إن الله يستر على الذنوب كلها بعفوه عن أهلها وتركه عقوبتهم عليها إذا تابوا منها ورجعوا عنها
_ وقوله: {إنه هو الغفور الرحيم}: إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها.
من فوائد الآية:
1_ بيان فضل الله ورحمته على عباده بقبول توبة العبد إن تاب مهما كانت ذنوبه.
2_ دعوة الله الرحيم إلى عباده المذنبين بالإنابة إليه والإِسلام الخالص له.
3_ جملة (إن الله يغفر الذنوب جميعا) تعليل للنهي عن اليأس من رحمة الله ,
ومادة الغفر ترجع إلى الستر وهو يقتضي وجود المستور واحتياجه للستر فدل (يغفر الذنوب) على أن الذنوب ثابتة أي المؤاخذة بها ثابتة والله يغفرها أي يزيل المؤاخذة بها وهذه المغفرة تقتضي أسبابا أجملت هنا وفصلت في دلائل أخرى من الكتاب والسنة منها قوله تعالى (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)
4_ وجملة (إنه هو الغفور الرحيم) تعليل لجملة (يغفر الذنوب جميعا) أي لا يعجزه أن يغفر جميع الذنوب ما بلغ جميعها من الكثرة لأنه شديد الغفران شديد الرحمة
فبطل بهذه الآية قول المرجئة إنه لا يضر مع الإيمان شيء
من الأحكام التي تدور حولها الآية:
¥