تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ختم الآيات بالأسماء والصفات (ابن القيم)]

ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[04 Dec 2007, 01:12 ص]ـ

الحمد الله الذي له لا إله إلا هو الأسماء الحسنى والصفات العليا، أنزل إلينا كتابه المبين، هدى وبشرى للمؤمنين، ليخرجهم به من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراطه المستقيم.

وأصلي وأسلم على الرسول الكريم، والنبي الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن من أعظم مقاصد القرآن الكريم تعريف العباد بربهم جل وعلا، ليؤمنوا به ويوحدوه، ويذكروا آلاءه ويشكروه.

وإن من أجل نعم الله العظيمة، وآلائه الكريمة أن تعرف إلينا في كتابه الكريم بأسمائه وصفاته، وأظهر آثارها في أوامره ومخلوقاته.

فالقرآن الكريم وما يدل عليه أعظم طريق لمعرفة الله جلا وعلا والتعبد له بما يحب ويرضى، فتلك النعمة التي لا تعادلها نعمة، والمنحة التي سمت فوق كل منحة؛ فيعرف العبد ربه حال الرخاء فيذكره ويثني عليه ويشكره.

ويعرفه حال الشدة فيذكره ويلجأ إليه ويستغفره.

ولا يزال العبد يتربى ويترقى في مراقي العبودية لله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا حتى يتسنم الرتب العليا، ويعيش في جنة الدنيا التي من دخلها فهو في نعيم لا يوازيه نعيم، لا يأسف على فائت من الدنيا بل ولا يلتفت إليه؛ فما هو فيه من النعيم والخير العظيم يشغله عن التفكير فيما يفكر فيه أصحاب الهمم السفلية، والمطامع الدنيوية، إذ سمت روحه إلى الملكوت الأعلى، وطافت في رحاب أسماء الله الحسنى، وعرفت الله تعالى بما يسر لها من سبل معرفته، وأنعم عليها إذ وفقها وهداها لهذا وما كانت لتهتدي لولا أن هداها الله، وأيقنت أن ما جاءت به الرسل هو الحق من عند الله، تأنس بكتابه، وتتلذذ بخطابه، وترجو حسن ثوابه.

فإذا شهد قلبه ما لله تعالى من صفات الجلال والعظمة والهيبة، ذلت له وخضعت، وأطاعت له وأذعنت، وسلمت له وطلبت مرضاته، وتطهرت النفس من كل خلق لئيم، فذاب الكبر والعجب والغرور، واضمحل الرياء والنفاق، ونأت المطامع الدنيوية الصارفة عن المقامات العلية، وولى الشيطان خاسئاً هارباً من هذه الروح الزكية الكريمة التي يكاد يحرقه نورها.

وإذا شهد قلبه صفات جمال الله تعالى وكرمه، وإحسانه وإفضاله، اشرأبت للفوز بأسنى المنح، وتاقت إلى لقائه، فسمت نفسه وعلت، ورنت إلى ما لديه ورغبت، وتطهرت النفس من صفات الضعف والوهن والخور، فشمرت عن ساعد الجد، وأحسنت التقرب إلى الله تعالى بما يحب من الفرائض والنوافل حتى يكون الله تعالى سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، يعطيه ما يسأل، ويعيذه مما يستعيذ منه.

وولى الشيطان خاسئاً هارباً من هذه الروح الطيبة الزكية التي لا تلتفت إلى وساوسه وزخرف قوله، إذ عاينت بعين البصيرة الجمال الحقيقي، الذي يضمحل دونه كل جمال، جمال الذات، وجمال القول، وجمال الفعل، وجمال الصفات، وجمال الوعد، وجمال القبول، وجمال العفو، وجمال الإحسان، وسائر صفاته التي حازت كل جمال فلا ينتهي القلب عند تأمل جماله تعالى حتى يسجد لله سجدة لا يود أنه يقوم منها.

وإذا شهد قلبه كريم عفو الله ومغفرته وأنه يغفر الذنب لمن دعاه ورجاه ولا يبالي، وأنه يفرح بتوبة عبده أعظم فرح أقبل إلى ربه وأناب، وطمع في مغفرته ومرضاته، ولا يزال إليه أواباً منيباً حتى يعود كيوم ولدته أمه نقياً من الذنوب والخطايا.

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ...

أحبتي في الله ما أجدرنا ونحن أهل القرآن أن نحيي سنة التلازم بين العلم والإيمان، فنتعلم لنزداد إيماناً، فنزداد علماً يزيدنا إيماناً، ونزداد إيماناً نوفق به لمزيد من العلم، فإذا فعلنا ذلك، ظهر فينا ما أراده الله لنا من مقاصد التنزيل الكريم، وكنا كما أراد لنا، وسيكون لنا كما رجونا وأحسنا الظن فيه جل وعلا، وكما وعدنا في كتابه الكريم (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) وهذا النصر له معان كثيرة حسية ومعنوية معروفة لديكم.

وما أكثر ما ابتليت به هذه الأمة في هذا الزمان من مظاهر الضعف والوهن، والتشرذم والاستنكاف، والغلو والتنطع، ويأبى الله إلا أن يعصم طائفة من هذه الأمة تستقيم على ما يحب لا يضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، فمن ركب سفينتهم نجا، ومن نأى عنهم هلك، ومن خذلهم خُذل، ومن أرادهم بسوء كان الله خصمه.

وقد أنعم الله علي قبل نحو عقد من الزمان بقراءة كتب ابن القيم رحمه الله تعالى فلمست عنايته بهذا الباب، وحرصه عليه، وله كلام جميل متفرق في كتبه، منه ما هو مشهور عند طلاب العلم، فعكفت على جمع كلامه في الأسماء والصفات، ورأيت أن أعده بطريقة جديدة حتى يبدو كأنه مؤلف جديد لابن القيم رحمه الله تعالى، وجعلته ثلاثين باباً.

وكان من ضمن هذه الأبواب باب في بيانِ ما تضَمَّنَهُ خَتْمُ الآياتِ بالأسماءِ والصفاتِ من الفوائدِ الجليلةِ واللطائفِ البديعةِ.

وسأرفق لكم هذا الباب ليكون أجمل في العرض، ومن أحب أن يدرجه في الأصل فليفعل.

وأنا لا أعلم حدود ما يسمح به من المشاركات في هذا الملتقى الكريم، ولكني رأيت هذا الباب وثيق الصلة بعلوم القرآن الكريم.

ولأني أخلصت أبواب الكتاب من أي تعليقات في صلبه، ونسقته تنسيقاً متآلفا، قدمت للكتاب مقدمة وافية بينت فيها أهمية العناية بالأسماء الحسنى والصفات العليا وبعض الجوانب التطبيقية المفيدة لطالب العلم في حياته العلمية والعملية، واستدللت لذلك بآيات من الكتاب العزيز، لذلك أدرجت المقدمة وفيها سرد لأبواب الكتاب، فمن أراد أن يطلع على أي باب منها فليخبرني لأرسله إليه.

أسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنكم، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يقينا شر الأشرار، وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير