[الحلقة الخامسة من المهمات في علوم القرآن لفضيلة الشيخ خالد السبت ـ حفظه الله ـ]
ـ[أبو معاذ البخيت]ــــــــ[11 Dec 2007, 11:27 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
الموضو ع الخامس:
مكان النزول
وهو ما يسمى بالمكي والمدني.
ضابطه:
أجود ما قيل في ضابطه ـ والله أعلم ـ: أن كل ما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وكل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني؛ حتى لو نزل بمكة كما في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: من الآية3) فإنها نزلت بمكة،في عرفة، ومع ذلك حكمنا بأنها آية مدنية.
كيف نعرف المكي و المدني؟
هذا الأمر موقوف على نقل من شاهد التنزيل فقط، أما إذا اعتمدنا في هذا الأمر على العلامات، والقرائن، كما يقول بعض العلماء؛ فهنا يضطرب الأمر ولا يكاد ينضبط بحال.
فمثلاً: سورة الأنعام، المعروف أنها نزلت بمكة جملة واحدة، في ليلة واحدة، من أولها إلى آخرها كما صحت بذلك الروايات الصحيحة، لكن بعض العلماء يستثني منها بعض الآيات اعتماداً على بعض القرائن فيقول هذه الآيات نزلت في المدينة، فمثلاً: قوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) (الأنعام: من الآية141) قالوا: الزكاة لم تفرض إلا في المدينة، فهذه الآية مدنية.
فيجاب عن ذلك بأحد جوابين:
أحدهما: أن يقال: بل الراجح أن الزكاة إنما فرض أصلها في مكة بشيء غير مقدر، فيخرج الإنسان عند الحصاد شيئاً غير مقدر، وأما تحديد الأنصباء والتقسيمات والأموال الزكوية إلى آخره فكل ذلك نزل في المدينة.
ثانيهما: أن نقول: إن الآية قد تنزل قبل تقرير الحكم،كما سبق ذكره وبيان مثاله وعليه فلا حاجة لأن نخرج آية من سورة قد جاءت الأحاديث الصحيحة بأنها نزلت جملة واحدة، في مكة، في ليلة واحدة، ونقول: إلا هذه الآيات لهذا المعنى الذي تبادر لنا، فلا يجوز أن نحكم على آية بأنها نزلت في مكة أو المدينة بناءً على اجتهاد، فهذا أمر مهم، وكثيرا ما يوجد في كتب التفسير تحديدات للمكي والمدني بناها أصحابها على الاجتهاد لما لاح لهم من معنى الآية، مثل قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى:14: 15) فسورة الأعلى مكية، لكن بعضهم قال: إلا هذه الآية فإنها مدنية، وعلل ذلك بأن المقصود بالزكاة هنا: زكاة الفطر. وزكاة الفطر لم تفرض إلا بالمدينة.
فيقال: بينا فيما سبق أن المعنى الراجح ليس هذا.
ثم لو فرض أن معنى الآية هو هذا، فيقال: إنها نزلت قبل تقرير الحكم.
فخلاصة ما سبق: أن معرفة المكي والمدني موقوف على النقل والسماع فقط، ولا يلتفت إلى الاجتهادات والقرائن والآراء في الحكم بأن هذه الآية مكية أو مدنية، بل يعول في معرفة هذا الأمر، على من شاهدوا التنزيل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا غاية في هذه المعرفة؛ كما أخرج البخاري (5002) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ .. "وقال أيوب: سأل رجل عكرمة عن آية من القرآن فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل، وأشار إلى سلع الذي كان تحته الخندق.
كما يمكن من خلال بعض الروايات التي وردت في أسباب النزول، أن نعرف مكان النزول، فمثلا:
ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها حددت مكان نزول آية التيمم في سورة المائدة، وبينت أنها نزلت وهم " بذات الجيش أو بالبيداء " (خ/ 334، م / 367) فعرفنا أنها نزلت في هذا المكان، وإن لم يكن مقصدها بيان المكان الذي نزلت فيه الآية، وإنما أرادت ذكر مكان حدوث هذه الواقعة.
ثم هنا مسألة مهمة، وهي:
كيف نحكم على السورة بأنها مكية أو مدنية:
وذلك إذا كان بعض آياتها قد نزل في المدينة، وبعضها في مكة:
- فمن أهل العلم من قال: العبرة بمكان نزول أول السورة؛ فإذا نزل صدرها بمكة .. حكمنا بأنها مكية؛ حتى ولو نزل منها بعض الآيات في المدينة.
¥