تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[سفتنة الإعجاز العلمي وإيمان الشجعان ـ د. أيمن محمد الجندي]

ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[30 Nov 2007, 01:11 م]ـ

د. أيمن محمد الجندي: بتاريخ 6 - 11 - 2007

والله إنها لفتنة!!. عن قضية الإعجاز العلمي في القرآن أتحدث. شخصيًا أنا غير مقتنع بصواب المنهج المتبع في هذه القضية، ولكن ما قيمة اقتناعي أو عدمه ما دام هذا مريحًا للآخرين؟. لقد وجد كثيرون سلامهم النفسي هنا، فهل يحق لي – أو لغيري – أن أهدم هذا السلام النفسي لأنه ببساطة ليس حقيقيا (من وجهة نظري)؟.

لذلك أقول: إنها فتنة!.

وقضية الإعجاز العلمي في القرآن فرع من أصل، وكان الأولى والأوفق أن تتم مناقشة هذه الأمور من منطق اللطائف والإشارات التي تدل على أن خالق هذا الكون هو منزِّل القرآن الكريم، ولكن حدثت مبالغة بشكل مقصود ومنظم حتى يهيأ إليك أنهم يودون إقناعك بأن هناك خارقة في كل آية من آيات الله، متناسين ومتجاهلين أن القرآن الكريم لم يكن أبدا كتابًا في الفيزياء أو في علوم الفلك، ولكنه جاء لتعريف الناس (كل الناس) برب الناس، إله الناس، عز وجل وعلا.

للقضية جذور

وصناعة المعجزة لا تقتصر على قضية الإعجاز العلمي في القرآن، فهي قضية مستحدثة ولكن لها جذورًا قديمة، خصوصًا في الصوفية، حيث لا يوجد ولي لم يطِر في الهواء ولم يمشِ على الماء ولم يعرف الغيب ولم يمارس مهماته أيضًا من عالم البرزخ لحماية مريديه!!. ويبدو هذا غريبا في دين قضيته الأساسية محاربة الخرافة وطلب البرهان على كل قضية.

والناس مولعون بصناعة المعجزة، والسبب واضح ومفهوم، فحدوث المعجزة وتكرارها دليل أكيد على صحة الدين (أي دين) الذي يتبعونه، فلا داعي للتفكير و"وجع الدماغ"!!.

هناك خارقة! الولي طار في الهواء! حمدًا لله! القرآن ذكر حقيقة علمية لم تكن معروفة منذ قرون! حمدًا لله! إذن فهذا الدين الذي أتبعه صحيح، وأنا على حق تمامًا، لقد حلت المعضلة نفسها وبنفسها، وليخلد العقل إلى الراحة!!.

وطلب المعجزة والترحيب بها قديم قدم الأديان نفسه، طالب بها المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم، مرة بعد مرة، ورفضها القرآن مرة بعد مرة، وكان الرد واضحًا ونهائيًّا: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إلا بَشَرًا رَّسُولاً) [الإسراء: 93].

القرآن يرفض!!

من يقرأ القرآن الكريم بإمعان سيجد - بوضوح تام - أن منطق الخارقة مرفوض كلية في القرآن، وأن الله تعالى شاء (ولا راد لمشيئته) أن يبدأ عصر الرشد العقلي، فبدأ القرآن بكلمة (اقرأ) دون غيرها من كلمات، وجعل الدليل على صدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النظر في القرآن وفي أغوار النفس، وتأمُّل أحوال الأمم السابقة: (قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) [سبأ: 46]، (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ومَا تُغْنِي الآيَاتُ والنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101]. ووصف سبحانه وتعالى المؤمنين في بداية سورة البقرة بأنهم (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، وليت شعري، كيف يكون ذلك وفي كل آية خارقة ومعجزة علمية، على الشكل الذي يقدمون به قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟!!.

منتج وزبون!

إن الإيمان بالدين (أي دين) قضية مركبة جدًّا، والنفس الإنسانية يعتريها الشك والفتور في بعض أحوالها (رغم صدق إيمانها)، ولذلك فلا عجب من الترحيب البالغ بقضية الإعجاز العلمي؛ لأنه راحة للبال ما بعدها راحة. ولذلك فإن الذي يحاول أن يعترض على صناعة المعجزة وتسويقها سوف يقابَل بالريبة والشك، وربما الحرب الصريحة، والأسباب واضحة جدًّا: فالمنتِج هنا مقتنع جدًّا بمنهجه، وقد نال الشهرة والثروة بالإضافة للسمعة الحسنة في خدمة الإسلام. والزبون يريد السلعة بإلحاح؛ لأنها تعفيه من مئونة التفكير ومكابدة الظنون!!. وسيحدث – حتمًا – خلط بين رفض هذه الصناعة وبين شبهة الهجوم على القرآن بما يجعل تكفيره وقطع رزقه (إن لم يكن قطع عنقه) كلها أشياء واردة جدًّا.

إيمان الشجعان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير