[هل يصح أن ينسب الإعجاز للسنة؟]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[14 Dec 2007, 01:50 م]ـ
إن أزمة المصطلحات لا تكاد تنفك عن علم من العلوم، ونحن بحاجة إلى النظر فيها لتحريرمحلِّ النِّزاع، أو لما قد يترتب عليها من معلومات فيها خلل، لذا فإن ما يقال: إنه لا مشاحة في الاصطلاح = فإنه ليس على إطلاقه، نعم، لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان لا يغيِّر حقائق الأمور، ولا يترتب عليه معلومات علمية خاطئة.
وهنا مصطلح معاصر حادث، وهو (الإعجاز العلمي في السنة النبوية)، فهل يصح هذا الإطلاق؟
إذا رجعنا إلى تراثنا المتراكم عبر القرون، وجدنا علماءنا ـ رحمهم الله تعالى ـ قد كتبوا في هذا الأمر، لكن تحت مسمى (دلائل النبوة) أو (أعلام النبوة)، وهو أقلُّ في الاستعمال من (دلائل النبوة).
ويذكرون في كتبهم هذه أمورًا:
الأول: معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أحواله الدالة على صدقه.
الثالث: إخباراته بالغيب، والإشارة إلى وقوع بعض ما أخبر به.
لذا فدلائل النبوة فيها المعجزات، وفيها غيرها مما يدل على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وما دام هذا كان متحرِّرًا عند علمائنا ـ رحمهم الله تعالى ـ فما الداعي إلى ترك الاصطلاح الدقيق لعلمائنا السابقين، واستبداله بمصطلح يحمل مشكلات علمية؟
إن مصطلح الإعجاز منذ ظهر وهو مرتبط بأمرين:
ـ بالقرآن الكريم.
ـ وبالأمور الخارقة لعادة الخلق جميعًا تلك العادة ـ كتسبيح الحصى ـ التي يجريها الله على يد نبيٍّ من أنبيائه لتكون دليل صدقٍ على نبوتهم، أو تأييدًا لهم.
ولقد قلَّبتُ الأمر في هذا المصطلح الحادث، فلم أر أننا بحاجة إليه ما دام في تراثنا ما يغني عنه، ويدلُّ على المراد به دون مشكلات علمية.
والملاحظ أن من أحدث هذا المصطلح راح يُعرِّفه بتعريف خاصٍّ جدًّا ينطبق على ما يريد هو، دون الالتفات إلى تقرير العلماء السابقين في تعريف المعجزة، فصار نشازًا بعيدًا عن مفهوم المعجزة كما عرفته القرون من قبلنا.
وإذا تأملت تعريفهم للإعجاز العلمي بالسنة النبوية؛ ظهر لك يقينًا أن مدلول مصطلح (دلائل النبوة) أصدق وأدقُّ من مدلول (الإعجاز).
ومن عرَّف الإعجاز العلمي يقول: ((هو إخبار القرآن الكريم أو السنة بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يُظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عن ربه سبحانه)) تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الصادر عن هيئة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي (ص: 14).
والذي يُظهِر صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إما أن يكون من قبيل المعجزات، وإما أن يكون من قبيل الأحوال النبوية الدالة على صدقه، وإما أن يكون من قبيل الإخبار بالغيب الذي يقع تحقيقه في المستقبل، وهذه كلها دلائل نبوة.
ـ أما المعجزات فهي من الأمور الخارقة التي لا يقدر عليها الخلق البتة، لذا فهي مختصَّة بالله تعالى يظهرها على يد نبي من أنبيائه، أو يظهرها على يد وليٍّ من أوليائه تدلُّ على صدق النبي، وتكون مؤيدة له.
ـ وأما الأحوال النبوية، فإنها تدلُّ على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر الأمثلة في تاريخ الرسالة خبر هرقل مع أبي سفيان، فهرقل قد استدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال عن أحواله.
وفي الإصابة لابن حجر في ترجمة ملك عمان، قال: (الجلندي بضم أوله وفتح اللام وسكون النون وفتح الدال ملك عمان ذكر وثيمة في الردة عن ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم: بعث إليه عمرو بن العاصي يدعوه إلى الإسلام، فقال: لقد دلني على هذا النبي الأمي: إنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يَغلِب فلا يبطر، ويُغلَب فلا يَهجُر، وأنه يفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبيٌّ، ثم أنشد أبياتاً منها:
أتاني عمرو بالتي ليس بعدها ... من الحق شيء والنصيح نصيح
فقلت له ما زدت أن جئت بالتي ... جلندى عمان في عمان يصيح
فيا عمرو قد أسلمت لله جهرة ... ينادي بها في الواد بين فصيح
وسيأتي في ترجمة جيفر بن الجلندي في هذا الحرف أنه المرسل إليه عمرو فيحتمل أن يكون الأب وابنه كانا قد أرسل إليهما)).
¥