[ظاهرة التوسع في المعنى في اللغة العربية - دراسة لنماذج قرآنية]
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[22 Oct 2007, 04:44 م]ـ
ظاهرة التوسع في المعنى في اللغة العربية دراسة لنماذج قرآنية ـــ د. بلقاسم بلعرج (ابن أحمد) *
ورد في مقاييس اللغة لابن فارس أن "الواو والسين والعين كلمة تدل على خلاف الضيق والعسر، يقال: وسع الشيء واتسع، والوسع: الغنى. والله الواسع أي الغني. والوسع: الجدة والطاقة. وهو ينفق على قدر وسعه. وقال تعالى في السعة "لِيُنْفِقْ ذو سَعَةٍ من سَعتَه". وأوسع الرجل: كان ذا سعة. والفرس الذريع الخطو وساع" ([1]).
ومن معانيه اللغوية: استعمال اللفظ للدلالة على أكثر مما وضع له، أو هو أن يؤتى في آخر الكلام بشيء مفسر بمعطوف ومعطوف عليه نحو قول الشاعر: (بسيط).
إذا أبو القاسمي جادت لنا يده == لم يُحْمد الأجودان: البحر والمطر
وهو أيضاً من أغراض الزيادة، ويكون بتكثير الصيغ لا لمعنى من المعاني ([2]):
والناظر في اللغة العربية يجد فيها كثيراً من العبارات والاستعمالات الموجزة التي تحتمل أو تتضمن أكثر من معنى، وكلٌّ مراد مطلوب، بمعنى أن المتكلم بدلاً من أن يوسع في الألفاظ لأجل المعاني نجده يوجز ([3]) ويصيب هدفه بسهولة ويسر من غير خلل، وهو أمر لا يتأتى إلا لقلّة من أساطين الشعر والنثر، كيف لا والإيجاز ذروة البلاغة كما يقال، والبلاغة لمحة دالة، وأنها إصابة المعنى وحسن الإيجاز، وهي كذلك إجاعة اللفظ وإشباع المعنى" ([4]).
وقد دأب عليه المفسرون وأعطوه من العناية ما لا يخفى، فقد عدوه أمراً رئيساً وحجر الزاوية في التعبير البلاغي القرآني، وقد نسب إلى علي رضي الله عنه قوله: (ما رأيت بليغاً قط إلا وله في القول إيجاز وفي المعاني إطالة) ([5]).
وهو ما يفهم منه أن البلاغة في تقليل الألفاظ وتكثير المعنى.
وقد أشار ابن جنّي إلى هذا الموضوع في كتابع الخصائص تحت (باب في اللفظ يرد محتملاً لأمرين أحدهما أقوى من صاحبه، أيجازان جميعاً فيه أم يقتصر على الأقوى منهما دون صاحبه).
"اعلم أن المذهب في هذا ونحوه أن يعتقد الأقوى منهما مذهباً ولا يمتنع مع ذلك أن يكون الآخر مراداً وقولاً، من ذلك قوله ([6]):
كفى الشيبُ والإسلامُ للمرء ناهيا
فالقول أن يكون (ناهيا) اسم الفاعل من (نهيت) كساعٍ من سعيت وسارٍ من سريت. وقد يجوز مع هذا أن يكون (ناهيا) هنا مصدراً، كالفالج والباطل والعائر والباغز ونحو ذلك مما جاء فيه المصادر على فاعل، حتى كأنه قال: "كفى الشيب والإسلام للمرء نهياً وردعاً، أي ذا نهي فحذف المضاف وعلقت اللام بما يدل عليه الكلام" ([7]).
كما ورد في اللغة العربية ألفاظ، تظهر للقارئ على صورة وتحتمل أ، تكون على صورة غيرها من نحو قوله تعالى:] وجعلوا لله شركاءَ الجنَّ [([8])، فهي تفيد معنيين: معنى: وجعلوا الجن شركاء لله وعبدوهم معه. ومعنى آخر: وهو ما كان ينبغي أن يكون له شريك، لا من الجن ولا من غيره ([9]).
ومن نحو من قول الخنساء كذلك في رثاء أخيها معاوية:
أبعد ابن عمرو من آل الشر يـ == ـد حلّت به الأرض أثقالها
فكلمة (حلت) في البيت إما من (الحلية) أي: زيَّنت به موتاها أو ـ كما قال ابن الأعرابي ـ من (الحَل) كأنه لما مات انحل به عقد الأمور ([10]).
يتبين من خلال هذه الأمثلة أن في اللغة العربية ميزة قد لا نجدها في كثير من اللغات وهي التعبير عن المعنى الكثير باللفظ القليل، بمعنى أن يزاد في المعنى من غير أن يزاد في اللفظ، ومن ثم يصل المتكلم إلى مراده من أيسر طريق وبأقل جهد، وهو مأمل كل إنسان.
ونتناول في هذه الدراسة بعض الظواهر اللغوية التي تُوسِّع فيها من حيث المعنى، من خلال نماذج قرآنية مختارة.
1 ـ الاشتراك اللفظي:
يوجد في اللغة العربية شواهد كثيرة للمشترك اللفظي الذي يتوسل به لاستيعاب المعاني غير المتناهية ـ خلافاً للألفاظ ـ وتغطية المدلولات الاجتماعية التي تجدّ في المجتمع حتى تفي بمطالب الحياة والأحياء ([11]).
والمشترك اللفظي: ما اتفقت صورته واختلف معناه، نحو: وجدت عليه من الموجدة، ووجدت: إذا أردت وجدان الضالة، ومثل هذا كثير ([12]).
ومنه كذلك كلمة (النوى) التي تعني: الدار، والنية، والبعد.
¥