تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نص محاضرة: هجران الأمَّة للقرآن، هل من سبيل إلى إزالة أسبابه؟

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[30 Oct 2007, 09:22 ص]ـ

هجران الأمَّة للقرآن، هل من سبيل إلى إزالة أسبابه؟

أ. د. طه جابر العلواني

محاضرة ألقيت يوم الجمعة الموافق 16 رمضان 1428هـ / 28 سبتمبر 2007.

المصدر: http://www.eiiit.org/eiiit/news_read.asp?id=51

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. ونصلي ونسلم على سيدنا محمد عبد الله ورسوله وصفيِّه وخليله، الرحمة المسداة، والنعمة المهداة، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

ثم أما بعد، فإنَّ من أهم ما ابتليت به الأمَّة وأدى إلى بروز كثير من الأزمات، وظهور العديد من الظواهر السلبيَّة والمشكلات "حالة هجر القرآن" التي سقطت فيها من كانت تدعى "أمَّة القرآن" وترَّدت فيها حتى ألفتها فتحولت إلى حالة متأصّلة، وظاهرة ملازمة دون أن يشعر الكثيرون بها.

فالكثيرون يرون أنَّ العلاقة بين القرآن والمسلمين ما تزال علاقة قويَّة متينة، إذ ما من دولة من دول المسلمين إلا وهي تقوم بطبع القرآن الكريم وتوزيعه بأعداد تقل أو تكثر، وتقوم في الكثير منها مدارس لتحفيظ القرآن الكريم والعناية به، وتقدم دروساً قرآنيَّة في مراحل التعليم بأشكال كثيرة وترصد الجوائز لحفظ القرآن وتجويده ... الخ. وبالتالي فإنَّ بعض الناس بل أغلبهم لا يستطيعون أن يلمسوا أو يسلّموا بأنَّ هناك حالة هجر بين القرآن والمسلمين الذين هم الأمَّة التي تكونت بهذا القرآن، خاصَّة وهم يسمعون آيات الكتاب الكريم صباح مساء إن شاؤوا تنطلق من العديد من الفضائيَّات والمحطات الإذاعيَّة المتخصّصة بالقرآن الكريم أو المشتركة مع برامج أخرى. ولذلك فإنَّ حالة الهجر هذه قد لا يسلم الكثيرون بوجودها؛ لكنَّنا -مع أخذ ذلك كلّه بنظر الاعتبار- نؤكد أنَّها حالة قائمة. وأنَّ الدليل عليها سائر المظاهر السلبيَّة التي تنتشر في كياننا الاجتماعيّ كلِّه، وتنخر في سائر جوانبه من انحرافات في العلاقات بين الحاكم والمحكوم، وخروج عن موازين العدل والأمانة في كثير من النظم واضطراب في برامج التعليم والتنمية والاقتصاد والعلائق الاجتماعيَّة، وفساد في الأخلاق ونظم الحياة على اختلافها.

وأود أن أبادر لكي يكون قولي مفهوماً إلى القول بأنَّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان وكيف تصفه؟! قالت كلمتها الحكيمة الوجيزة العظيمة: "كان خلقه القرآن". وهذا الذي قالته أمُّنا عائشة يمكن تعميمه في جميع جوانب الحياة. فإذا سئلنا عن اعتقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت عقيدته القرآن. وإذا سئلنا عن تصوُّره فقد كان تصوره القرآن. وإذا سئلنا عن شريعته فقد كانت شريعته القرآن. وإذا سئلنا عن علمه فقد كان علمه القرآن. وإذا سئلنا عن عبادته فقد كانت عبادته القرآن. وإذا سئلنا عن سنّته وسيرته فإنَّ سنّته وسيرته هي القرآن .. فالقرآن المجيد كان حاضراً مهيمناً بقوة في كل شأن من شئون رسول الله صلى الله عليه وسلم جليلاً كان أم دقيقاً، وكان حاضراً في كل شأن بحيث لا يمكن تجاهله أو تناسيه أو الإعراض عن استدعائه في أيّ شأن من الشئون دون تفريق بين ما يعد شأناً دنيويّاً أو شأناً أخرويّاً، غيبيّاً أو من عالم الشهادة فكانت حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أهل بيته وآله وصحابته بصفة عامة القرآن، منه وبه يستمد النور، وبه تصاغ الحياة، وبآياته المحكمة ترسى دعائم المدنيَّة والحضارة، وتبنى الأمَّة وتحقّق شهودها الحضاريّ.

ولذلك كان القرآن المجيد مستقراً في القلوب، حاضراً في المشاعر والوجدان، متحرِّكاً في جوانب الحياة المختلفة. كانوا يقرأون ألفاظه فينزلونها على قلوبهم قبل ألسنتهم، ويديرونها في عقولهم وقلوبهم قبل أفواههم، ويكيّفون بها واقعهم قبل أن يقوموا بزخرفتها وطباعتها بأجمل الخطوط وأحسن الأوراق؛ لأنَّهم أدركوا أنَّ هذا القرآن إنَّما أنزل ليكون مرشد الإنسان وقائده لأداء مهامّه كلّها ابتداءاً من العهد الذي بين الله وبينه في عالم الذر: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير