[قوله صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى)]
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[22 Nov 2007, 04:19 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
فلا يخفى أن التفسير النبوي هو أوثق أنواع التفسير، وأصحها، ومن الأحاديث التي يمكن أن تندرج في هذا الباب هذا الحديث الذي نحن بصدده، وقد وجه إليه صاحب كتاب (نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث) نقداً نابعاً من اتباع العقل والهوى، كما هو شأن كثير ممن يقدح في أحاديث الصحيحين .. وقد أحببت بيان معنى هذا الحديث لتعلقه بالآيات الواردة في نصه، والإجابة على ما طرحه صاحب الكتاب، وقد سبق أن ذكرت شبهاته والجواب عليها حول حديث آخر في موضوع:
قوله صلى الله عليه وسلم: (خفف على داود القرآن) ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=9051)
اسأل الله أن يهدينا سواء السبيل ...
نص الحديث:
أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) [البقرة: 260]، ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي" (1).
الشبهات التي أوردها الكاتب:
قال صاحب الكتاب: " أول بعضهم هذا الحديث بتأويلات مختلفة لأن ظاهره مرفوض، فالآية لا تدل على أن إن إبراهيم شكّ، بل تفيد أنه أراد رؤية معجزة الإحياء الكبرى بعيني رأسه، ليقوى إيمانه، وينتقل من علم اليقين لعين اليقين، بدليل أن الحقَّ لما سأله أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولا شك أنه صادق مصدَّقٌ في قوله، فكيف يُدّعى أنه شكّ؟ وهل يمكن أن يخفى فهم الآية لهذه الدرجة على سيدنا رسول الله وهو سيد الفصحاء؟! والأنكى من ذلك أن الراوي (2) لم يكتف باتهام إبراهيم بالشك، بل نسب لرسول الله أنه أكثر وأحق بالشك منه!! فكيف يُنسَبُ لإبراهيم أبي الأنبياء وخليل الرحمن ولمحمد خاتم الأنبياء وحبيب الرحمن الشَّكُّ بوعد الله بالبعث أو بقدرته تعالى على إحياء الموتى في حين أن المؤمن العادي منا الذي لا يدنو من مقامهما مقدار أنملة ليس عنده ذرة شك في ذلك؟!.
ثم كيف يجوز رمي لوط بأنه كان يجهل أن الله تعالى ركْنُه ومأواه؟ وكذلك لا يصح أن يكون سيدنا رسول الله أقل مقاماً من يوسف الذي رفض بكل وجه حق أن يخرج من السجن إلا بعد أن تثبت للجميع براءته، فينسب الراوي إليه أنه يقول: لو كنت مكانه لخرجت بسرعة ولم أنتظر!.
إن في هذا الحديث انتقاصاً من قدر أنبياء الله عليهم السلام عموماً، ومن قدر خاتمهم سيدنا محمد، إنه حديث مظلمٌ بعيد عن نور النبوة، وهذه علة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته. اللهم إلا أن يؤول تأويلات خلاف ظاهره. ولا ننسى أن هذه عادة شراح الأحاديث!! " (3).
مدار الشبهات التي أوردها المؤلف أن الحديث ينتقص من قدر الأنبياء عليهم السلام فهو يفيد في نظره: إثبات الشك لأنبياء الله: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، واتهام لوط عليه السلام بالجهل بأن الله ركنه ومأواه، كما يفيد ـ في نظره القاصر ـ أن يكون يوسف عليه السلام أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويجعل ما يفهمه المؤلف هنا ظلمة في الحديث وعلة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته.
ولا شك أن هذا الفهم؛ فهمُ من لا عِلْم عنده كما قال ابن كثير: " فليس المراد ههنا بالشك: ما قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف" (4).
كما يتبين في نص كلامه طعنه أكثر من مرة لأبي هريرة رضي الله عنه كما في قوله: "والأنكى من ذلك أن الراوي لم يكتف باتهام إبراهيم بالشك، بل نسب لرسول الله أنه أكثر وأحق بالشك منه!! "، ولشراح الحديث النبوي كما في قوله: " اللهم إلا أن يؤول تأويلات خلاف ظاهره. ولا ننسى أن هذه عادة شراح الأحاديث!! ".
ولا بد في الجواب على هذه الشبهات أن نقدم بهذا التمهيد:
تمهيد
إن سبب هذا الفهم عند الكردي هو الخطأ المركب من عدة أمور هي:
¥