[الأثر اللغوي في براءة يوسف عليه السلام]
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[22 Oct 2007, 04:53 م]ـ
الأثر اللغوي في براءة يوسف عليه السلام ـــ د. عمر مصطفى (1)
قال الله تعالى في مطلع سورة يوسف عليه السلام: (ألر تلك آيات الكتاب المبين، إنَّا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ((2)، وفي ذلك إشارة ظاهرة إلى أهمية تفسير ما في هذه السورة من مواضع خلافية بأدوات لغوية، والنظر فيها بمنظور لغوي سليم، إذ يحتاج بعضها إلى جهد كبير لمعرفة المقصود من ذلك، والوجهِ المراد من هذا الأسلوب الدلالي الذي يُظهر وجهاً من وجوه الإعجاز البياني للقرآن الكريم.
قال مصطفى صادق الرافعي: "ومن أعجب ما رأينا في إعجاز القرآن وإحكام نظمه، أنك تحسب ألفاظه هي التي تنقاد لمعانيه، ثم تتعرّف ذلك وتتغلغل فيه فتنتهي إلى أنّ معانيه منقادة لألفاظه، ثم تحسب العكس، وتتعرفه متثبّتاً، فتصير منه إلى عكس ما حسبت، وما إن تزال متردداً على منازعة الجهتين كلتيهما، حتى تردّه إلى الله الذي خلق في العرب فطرة اللغة، ثم أخرج من هذه اللغة ما أعجز تلك الفطرة. لأن ذلك التوالي بين الألفاظ ومعانيها، وبين المعاني وألفاظها، مما لا يعرف إلا في الصفات الروحية العالية، إذ تتجاذب روحان، قد ألفت بينهما حكمة الله، فركّبتهما تركيباً مزجياً بحيث لا يجري حكم في هذا التجاذب على إحداهما حتى يشملها جميعاً" (3).
وبدهيٌ أن يتساءل الباحث عن سبب مطلع هذه السورة بهاتين الآيتين الكريمتين، ولو لم يكن لورودهما في هذا الموضع من السورة أولاً، ومن القرآن الكريم ثانياً قصدٌ معيّن؛ لما بُدئ بهما في هذه السورة ذات المدلول السياقي اللغوي الواضح، وهذا أمر مهمٌّ من حيث الدلالة الرمزية الموحية إلى أثر اللغة فيما يمكن كشفه في الآيات التي تحتمل غير وجه أو رأي.
قال الدكتور منير سلطان: "وإثبات خروج النظم القرآني عن المعهود من كلام العرب، لا يتأتَّى بالموازنة، وإنما بالكشف عن الإعجاز الذي تحقق في جعل أداة التعبير عن الذات البشرية صالحة للتعبير عن الذات الإلهية وحكمة الربوبية في جعلها تخرج من الخصوص إلى العموم، من المحدود إلى المطلق، منفكّة من قيود الزمان والمكان، وتذبذب العواطف، وشطط الخيال وغلبة الأحلام، وسخف الأوهام" (4).
وليس من أغراض هذا البحث الإحاطة بالقصة بتمامها، بل الإلمام ببعض جوانبها ذات الدلالة الأسلوبية اللغوية المتباينة والتأثير المراد في جوهر اختلافات المفسرين، بقصد تبيان الدليل اللغوي على براءته عليه السلام ممَّا اتُّهم به، ولا سيما أن بعضهم يرى أن نسبة الهمّ إلى يوسف بما يعنيه الهمّ في السياق ذاته، لا تسيء إليه، بل ترفع من شأنه، لأن وقوع الهمّ منه في النيّة ثم العودة عن فعل الفاحشة ذو أثر إيجابي أكثر منه من عدم وقوعه. ولهذا محذور، إذ إن تحرُّك الطبيعة البشرية لا يكون إلا بعد مراحل معينة، أهمُّها النظر العميق الواعي والتفكير به، وهو مما لا يليق بنبيّ معصوم.
وقد حاول هذا البحث أن يفيد مما ورد من آيات كريمة في السورة ذاتها، يدلُّ بعضها على ما ذهب إليه في بعض المواضع، ويشير بعضها الآخر إلى توضيح مراد في سياقه، قال الدكتور صبحي الصالح: "القرآن يفسر بعضه بعضاً"، يردد المفسرون هذه العبارة كلما وجدوا أنفسهم أمام آية قرآنية، تزداد دلالتها وضوحاً بمقارنتها بآية أخرى، وإن لهم أن ينهجوا في تأويل القرآن هذا المنهج، لأن دلالة القرآن تمتاز بالدقة والإحاطة والشمول، فقلما نجد فيه عاماً أو مطلقاً أو مجملاً ينبغي أن يخصص أو يقيد أو يفصل، إلا تمَّ له في موضع آخر ما ينبغي له من تخصيص أو تقييد أو تفصيل" (5).
انقسم السلف من العلماء الناظرين في قوله تعالى: (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه ((6)، إلى فريقين: الأول يقرُّ بوقوع الهمّ في نفس يوسف عليه السلام، والثاني لا يقرُّ بذلك، وكذا فعل المحدثون منهم. فما معنى الهمّ؟ وأين محلّه؟ أَلَه تأثير يظهر بالأفعال؟ أي هل ينتقل من النفس إلى عمل الجوارح؟ إن هذه الأسئلة وما يقاربها قد تفيد في تبيان حقيقة وقوع الهمّ منه عليه السلام.
¥