تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[جناية "بعض " العلمانيين]

ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[28 Dec 2007, 04:16 م]ـ

جناية «بعض» العلمانيين

أحمد خيري العمري*

صدقوا أو لا تصدقوا! .. لقد اتضح أننا فهمنا بعض العلمانيين خطأ .. اتضح أننا ظلمناهم .. وأنهم ليسوا كما توقعناهم. إنهم يحبون الدين .. وقلوبهم عليه .. ربما أكثر منا. بل إن هذا فعلاً ما يؤكدون عليه. كل هدفهم هو إنقاذ الدين، بعده ليس من المستبعد أن يطالبوا بتطبيق الشريعة ويرفعوا الشعارات التي تنادي بذلك ..

هذا هو ما يحدث، كما لو أننا نحلم .. (ليس من الواضح بعد إن كان هذا الحلم حلماً جميلاً أو أنه كابوس مفزع) , لكنه يحدث فعلاً .. وكما يقدم بعض الإسلاميين بلاغات تطالب بمحاكمة هذا أو ذاك ممن يروجون ضد الدين, كذلك يفعل بعض العلمانيين، بل وأكثر، ذلك أن بلاغات الصنف الأول هي غالباً ضد أشخاص أحياء .. أما العلمانيون فهم حريصون على الدين لدرجة أنهم صاروا يقدمون بلاغات ضد حتى الموتى الذين أساؤوا -بحسب رأيهم- للدين ..

وصلوا لهذا الحد؟ .. نعم، إنهم يتنافسون الآن مع المتطرفين الذين لم يطالبوا حتى الآن -وحسب علمي- بنبش القبور ومحاكمة الموتى .. ليس هذا فقط، بل إنهم -من غيرتهم على الدين- وحرصهم عليه، يتهمون ليس الأعداء التقليديين للدين فقط، بل يتجاوزونهم إلى أئمة الدين وعلمائه .. إنهم يرومون -حسبما يقول العنوان الثانوي لواحد من كتب هؤلاء- «حماية الدين من إمام المحدثين»، ويقصد البخاري، أو في كتاب آخر، هدفه «تخليص الأمة من فقه الأئمة» الذي عده بمثابة بلاغ ضد الإمام الشافعي هذه المرة ..

لا تسيئوا فهمهم .. إنهم إنما يهاجمون الشافعي أو البخاري أو سيبويه (في سلسلة كتب تحمل اسم جناية الشافعي، وجناية البخاري، وجناية سيبويه، تباعاً) حرصاً على الدين وغيرةً عليه، لا من أجل التهجم على الرموز الدينية -هذا هو على الأقل ما يدّعونه- وعلينا أن نمتلك قدراً كبيراً من حسن الظن، أو من قلة العقل، أو قدراً كبيراً من الاثنين معاً، لكي نصدقهم ..

ما الذي فعله البخاري من جناية تستوجب «إنقاذ الدين من إمام المحدثين»؟ .. باختصار: لا شيء .. لدى هذا الكاتب العلماني الغيور على الدين بعض الملاحظات لا أكثر، يتصور أنها «اتهامات» كفيلة بإزاحة البخاري من مكانته كإمام للمحدثين، والحقيقة أن ملاحظاته في مجملها تعزز مكانة البخاري، إن لم تكن تزيد من أهميته، ذلك أن وجود الملاحظات، على عدد من الأحاديث بلغ أقصاه (82) حديثاً، من أصل (2602) متن حديث بدون تكرار، -أي أقل من %3 من مجمل صحيح البخاري- ترسخ وتؤكد حصانة النسبة المتبقية من البخاري-وهي نسبة متغلبة طبعاً- ولو كانت هناك (أحاديث أخرى) يمكن أن يكون عليها ملاحظات لما تردد صاحبنا في إيرادها, ذلك أنه أجهد نفسه غاية الجهد في الـ (82) حديثاً التي وجدها .. وقبل أن نتحدث عن ملاحظاته، علينا أن نشير إلى أن نسبة خطأ (لو سلّمنا أصلاً أنها خطأ) بمقدار ثلاثة بالمائة هي نسبة مقبولة جداً، بل وإن أرقاماً أعلى منها مقبولة أيضاً .. وإن أدق الإحصاءات بل وأدق القراءات الفيزيائية، بأدق وأحدث الأجهزة الإلكترونية، يمكن أن تحتوي على هامش خطأ أكبر، يشبه أن نستنتج قانوناً فيزيائياً، من %2 من النتائج، وإهمال الـ %98!! ..

إذن فملاحظات هذا الكاتب، التي جعل منها محضراً لاتهام البخاري (تذكروا! .. حرصاً على الدين وإنقاذاً له!) هي ملاحظات ترتكز على نسبة إحصائية مهملة، وهذا يضعها فوراً في خانة الإهمال .. هذا إن أقررنا أساساً أن كل ملاحظاته هي ملاحظات أصلاً .. ذلك أن أكثر من نصف الملاحظات لا تخص عمل البخاري ونتائجه، بل تخص شرح الحديث، الذي للكاتب ملاحظات عليه، وهذا يُخرج البخاري من الموضوع، فليسَ هو من شرح الحديث، بل هناك شُرَّاح آخرون مختلفون، وقد انتقى الكاتب منهم من شاء، ليعلن ملاحظاته تلك، وقِسْمٌ منهم يفصل بينه وبين البخاري قرون عديدة .. ما جناية البخاري في ذلك؟ .. ومشكلة الكاتب مع شرح الحديث أنه يقيّم الشرح ويحاكمه بناءً على مرجعيته العلمانية التي يفترض أنها الأقرب إلى سنته عليه الصلاة والسلام, وأن الشراح إنما ظلموا السنة والحديث بابتعادهم عن المنظومة الليبرالية العلمانية التي ينتمي لها الكاتب ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير