تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نفسه عن ذلك العموم بقياس هو قوله: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12] ثم أجمع العقلاء على أنه جعل القياس مقدما على النص وصار بذلك السبب ملعونا، وهذا يدل على أن تخصيص النص بالقياس تقديم للقياس على النص وانه غير جائز. الخامس: أن القرآن مقطوع في متنه لأنه ثبت بالتواتر، والقياس ليس كذلك، بل هو مظنون من جميع الجهات، والمقطوع راجح على المظنون.

السادس: قوله تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ الله فأولئك هُمُ الظالمون} [المائدة: 45] وإذا وجدنا عموم الكتاب حاصلا في الواقعة ثم إنا لا نحكم به بل حكمنا بالقياس لزم الدخول تحت هذا العموم. السابع: قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَي الله وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] فإذا كان عموم القرآن حاضر، ثم قدمنا القياس المخصص لزم التقديم بين يدي الله ورسوله. الثامن: قوله تعالى: {سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء الله} [الأنعام: 148] إلى قوله: {إِن تَتَّبِعُونَ إلى الظن} [الأنعام: 148] جعل اتباع الظن من صفات الكفار، ومن الموجبات القوية في مذمتهم، فهذا يقتضي أن لا يجوز العمل بالقياس ألبتة ترك هذا النص لما بينا أنه يدل على جواز العمل بالقياس، لكنه إنما دل على ذلك عند فقدان النصوص، فوجب عند وجدانها أن يبقى على الأصل. التاسع: أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا ذروه» ولا شك أن الحديث أقوى من القياس، فإذا كان الحديث الذي لا يوافقه الكتاب مردوداً فالقياس أولى به. العاشر: أن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، والقياس يفرق عقل الإنسان الضعيف، وكل من له عقل سليم عُلِمَ أن الأول أقوى بالمتابعة وأحرى.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[26 Jun 2010, 04:14 م]ـ

المسألة السادسة: هذه الآية دالة على أن ما سوى هذه الأصول الأربعة: أعني الكتاب والسنة والإجماع والقياس مردود باطل، وذلك لأنه تعالى جعل الوقائع قسمين: أحدهما: ما تكون أحكامها منصوصة عليها وأمر فيها بالطاعة وهو قوله: {يا أيها الذين ءامَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ} والثاني: ما لا تكون أحكامها منصوصة عليها وأمر فيها بالاجتهاد وهو قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} فإذا كان لا مزيد على هذين القسمين وقد أمر الله تعالى في كل واحد منهما بتكليف خاص معين دل ذلك على أنه ليس للمكلف أن يتمسك بشيء سوى هذه الأصول الأربعة، وإذا ثبت هذا فنقول: القول بالاستحسان الذي يقول به أبو حنيفة رضي الله عنه، والقول بالاستصلاح الذي يقول به مالك رحمه الله إن كان المراد به أحد هذه الأمور الأربعة فهو تغيير عبارة ولا فائدة فيه، وإن كان مغايراً لهذه الأربعة كان القول به باطلا قطعاً لدلالة هذه الآية على بطلانه كما ذكرنا.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[26 Jun 2010, 04:15 م]ـ

المسألة السابعة: زعم كثير من الفقهاء أن قوله تعالى: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} يدل على أن ظاهر الأمر للوجوب، واعترض المتكلمون عليه فقالوا: قوله: {أَطِيعُواْ الله} فهذا لا يدل على الإيجاب إلا إذا ثبت أن الأمر للوجوب. وهذا يقتضي افتقار الدليل إلى المدلول وهو باطل، وللفقهاء أن يجيبوا عنه من وجهين: الأول: أن الأوامر الواردة في الوقائع المخصوصة دالة على الندبية فقوله: {أَطِيعُواْ} لو كان معناه أن الإتيان بالمأمورات مندوب فحينئذ لا يبقى لهذه الآية فائدة. لأن مجرد الندبية كان معلوما من تلك الأوامر، فوجب حملها على إفادة الوجوب حتى يقال: إن الأوامر دلت على أن فعل تلك المأمورات أولى من تركها، وهذه الآية دلت على المنع من تركها فحينئذ يبقى لهذه الآية فائدة. والثاني: أنه تعالى ختم الآية بقوله: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الأخر} وهو وعيد، فكما أن احتمال اختصاصه بقوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى الله} قائم، فكذلك احتمال عوده إلى الجملتين أعني قوله: {أَطِيعُواْ الله} وقوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى الله} قائم، ولا شك أن الاحتياط فيه، وإذا حكمنا بعود ذلك الوعيد إلى الكل صار قوله: {أَطِيعُواْ الله} موجبا للوجوب، فثبت أن هذه الآية دالة على أن ظاهر الأمر للوجوب، ولا شك أنه أصل معتبر في الشرع.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[26 Jun 2010, 04:16 م]ـ

المسألة الثامنة: اعلم أن المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم إما القول وإما الفعل، أما القول فيجب إطاعته لقوله تعالى: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} وأما الفعل فيجب على الأمة الاقتداء به إلا ما خصه الدليل. وذلك لأنا بينا إن قوله: {أَطِيعُواْ} يدل على أن أوامر الله للوجوب ثم انه تعالى قال في آية أخرى في صفة محمد عليه الصلاة والسلام: {فاتبعوه} وهذا أمر، فوجب أن يكون للوجوب، فثبت أن متابعته واجبة، والمتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير لأجل أن ذلك الغير فعله، فثبت إن قوله {أَطِيعُواْ الله} يوجب الاقتداء بالرسول في كل أفعاله، وقوله: {وَأَطِيعُواْ الرسول} يوجب الاقتداء به في جميع أقواله، ولا شك أنهما أصلان معتبران في الشريعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير