تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوله تعالى (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله) وهذه الآية جاءت خطاباً للمشركين الذين عبدوا آلهة غير الله كما حكاه الطبري والقرطبي, ودخول جميع العصاة فيها أمرٌ لا شك فيه لأن الشرك بالله أقبح المعاصي وأفظعها وأشنعها ومع ذلك وعد الله التائبين منه بالمتاع الحسن وطيب العيش كما قال نوح لقومه (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً * ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) وهذا من أنفع أساليب الدعوة بالترغيب ,كما أن قوله تعالى (إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً) بعد الوعيد في قوله (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً) فيه ترغيب وحث على تجديد العهد مع الله والإقلاع عما سلف من ارتكاب الآثام واجتراح السيئات لتكون هذ التوبة نجاةً من الغي والخسران, ومن أعظم آيات الترغيب التي وردت في القرآن إن لم تكن أعظمها قول الله في سورة الفرقان (إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) فما الذي يريده العبد غير عفو الله عنه وتجاوزه عن دنوبه لكن الله لبالغ كرمه وجمال جوده وإحسانه يزيده على العفو والمغفرة تيديل كل سيئة بحسنة , وأحسبُ أن من لم ترغبه هذه الآية في التوبة فهو أصمُّ أبكمُ أعمى بل ميتٌ وإن كان حيا في الظاهر للناس , قال شيخ الإسلم رحمه الله (وقد ثبت فى الصحيح حديث الذي يعرض الله صغار ذنوبه ويخبأ عنه كبارها وهو مشفق من كبارها أن تظهر فيقول الله له إني قد غفرتها لك وأبدلتك مكان كل سيئة حسنة فيقول أي رب إن لي سيئات لم أرها إذا رأى تبديل السيئآت بالحسنات طلب رؤية الذنوب الكبار التى كان مشفقا منها أن تظهر ومعلوم أن حاله هذه مع هذا التبديل أعظم من حاله لو لم تقع السيئات ولا التبديل) 10/ 294

ومن أسلوب القرآن في توجيه العصاة حكايته لهم أحوال المشركين وما احتجوا به من حجج وما رد به الله عليهم لئلا يكون منهم الاحتجاج بما احتج به المشركون, ومن ذلك قول الله تعالى (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا) وقوله تعالى (وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) قال ابن عاشور رحمه الله: لأن هذه حقيقة كاشفة عن الواقع لا تصلح عذرا لمن طلب منهم أن لا يكونوا في عداد الذين لم يشأ الله أن يرشدهم. انتهى

وإشارة ذلك تدل العاصي إلى أن التشبث بمشيئة الله لا تصلح له عذراً على ما هو مقيمٌ عليه من المعصية, لأن الله جعل له مشيئةً تابعةً لمشيئة الله يهتدي بها لأيِّ الطريقين شاء , وله اختيارٌ في ذلك كما قال الله تعالى (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) وكقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل الناس يغدو فبائعٌ نفسه فموبقها أو معتقها) إلى غير ذلك من النصوص المشيرة إلى أن لِضلال العبد وهدايته بعد قدر الله تعلقاً بمشيئة العبد واختياره, ولا أدل على ذلك من قوله تعالى (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً وما تشاؤون إلا أن يشاء) وقوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً) فهذا التخيير فيه نوع من التحذير والنهي عن الكفر وطرقه فتهديد الله لمن اختار الكفر , وذكره للوعيد المترتب على هذه المشيئة, وتسميته لمختار الكفر ظالماً , وإظهار عدم المبالاة بمآلهم إلى جهنم وعذابها, قال الألوسي رحمه الله في تفسيره: وقال مكي: المراد به التوفيق والخذلان أي قل التوفيق والخذلان من عند الله تعالى يهدي من يشاء فيوفقه فيؤمن ويضل من يشاء فيخذله فيكفر ليس إلى من ذلك شيء وليس بشيئ كما لا يخفى وجوز أن يكون قوله سبحانه فمن شاء فليؤمن الخ تهديدا من جهته تعالى غير داخل تحت القول المأمور به فالفاء لترتيب ما بعدها من التهديد على نفس الأمر أي قل لهم ذلك وبعد ذلك من شاء أن يؤمن به أو أن يصدقك فيه فليفعل ومن شاء فليكفر به أو أن يكذبك فيه فليفعل وعلى الوجهين ليس المراد حقيقة الأمر والتخيير وهو ظاهر وذكر الخفاجي أن الأمر بالكفر غير مراد وهو استعارة للخذلان والتخليه بتشبيه حال من هو كذلك بحال المأمور

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير