ومن تأمل أحوال من ادَّعى النبوة من الكَذَبَةِ عرف أهمية الأحوال النبوية في الدلالة على الصدق.
ـ وأما الإخبار بالغيب، فهو كثير في سنته صلى الله عليه وسلم، وقد كتب العلماء في ذلك في كتبهم في الصحاح والسنن والمسانيد، ولبعضهم مؤلفات خاصة؛ ككتب (الفتن والملاحم)، وكتبوا ـ كذلك ـ في كتب (دلائل النبوة) وفي غيرها مما يتعلق بسيرته الشريفة؛ كتبوا كثيرًا من أخبار الغيب التي تنبَّأ بها، وقد وقع منها شيء كثيرٌ يدلُّ على صدقِه صلى الله عليه وسلم.
وأما النوع الذي ينحو إليه من يكتب في (الإعجاز العلمي في السنة النبوية) فحقيقةُ أغلبِه أنه إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر يطابق الواقع الذي كان بين يديه، وليس بأمر سيأتي بعده بعد حين.
ومن باب الفائدة أقول: إن كانت تفاصيل بعض ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم غير مدرَكة للصحابة ـ كما يرى من عرَّف الإعجاز العلمي ـ فإن هذا لم يؤخِّر الصحابة ومن جاء بعدهم عن العمل بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإدراكُ ذلك ـ على سبيل التفصيل ـ بطرق بشرية بحته توصِل إلى صدق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم = هو من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم بلا ريب، لكن لا يصلح أن يقال عنه إنه (معجزة)، فهو لا يتناسب مع تعريف المعجزة التي عرَّفها به العلماء على اختلافهم في تعريفاتهم لها.
تنبيه:
إن مما لا يخفى أن قضية الإخبار بالغيب قد تحصل لغير النبيِّ، لكن الفرق بين النبي ومدَّعي النبوة أن أخبار الأول كلها صادقة، أما الثاني فالأصل في أخباره الكذب، ولا يصدق منها إلا القليل جدًّا، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن استراق الجنِّ لأخبار السماء، ولزيادتهم فيها حتى يكون الخبر الواحد معه مائة كذبة.
ـ ويمكن القول بأن تميُّز الرسول صلى الله عليه وسلم في المعجزات والأحوال تميزٌ تامٌّ، بخلاف الإخبار بالغيب، إذ قد يقع فيه مشاركة من جهة، لكن ـ كما سبق ـ شتان بين الإخبار النبوي عن الغيوب وإخبار الدجالين عنها.
أما أن يرد في أخباره صلى الله عليه وسلم خبر مجمل في قضية ما، ثم يأتي العِلمُ المعاصر مصدِّقًا لما قال، فهذا لا خلاف في وقوعه، بل هو الأصل عندنا نحن المسلمين، لأن كلام نبينا صلى الله عليه وسلم حقٌّ، لكن أين مجال السبق هنا؟
إن السبق يصحُّ لو كنا نحن الذين اكتشفنا بناءً على معطيات الخبر النبوي، ثم توصل الغرب أو الشرق إلى ما اكتشفناه، أما على أسلوب من يدَّعي الإعجاز في السنة النبوية، فلا يوجد سبق؛ لأن السبق في الكشف إنما هو لمن اكتشف، وليس لمن كان عنده الخبر ولا يدري ما تحته من التفاصيل (أعني: نحن المسلمين المعاصرين).
ومصطلح (السبق) الذي يقوم عليه الإعجاز العلمي بحاجة إلى إعادة نظر وتقويم؛ إذ لا حاجة لنا بأن نقول بالسبق، وإنما يكفي أن ندلَّ على أن ما اكتشفه المعاصرون بالتجربة والتحليل والتفصيل هو معلوم عندنا على سبيل الإجمال من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم، وأننا مؤمنون بخبره، مطبِّقون له؛ سواءٌ علمنا هذه التفاصيل أو لم نعلمها، ومايزيدنا هذا الكشف الجديد إلا إيمانًا وتسليمًا.
ومن وجوه الصدق التي يحسن أن نرفعها أنه لا يوجد في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ما يمكن أن يخالف الفطرة السوية والصحة البدنية والنفسية، فربنا سبحانه وتعالى قد يسر لنبينا صلى الله عليه وسلم أمور دينه ودنياه، فلله الحمد والمنة على أن جعلنا من أتباع هذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[14 Dec 2007, 05:43 م]ـ
بارك الله في الأخ الفاضل الكريم على هذا الطرح الجيد لقضية جوهر ية في علوم القرآن والحديث
ويبدو فيما يتعلق بالمصطلح أن القدماء قبل القرن الرابع الهجري وجلهم من المعتزلة لم يهتموا من وجوه الإعجاز إلا بالجانب البياني بل إن نظرية النظم ظلت محل سجال بين المعتزلة وأهل السنة إلى أن حسم الموقف عبد القاهر الجرجاني لصالح أهل السنة كما هو معروف
و لاشك أن جوامع الكلم على الرغم من سموها البلاغي فإنها لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره بأنها معجزة ومن ثم تحاشى علماؤنا قديما استعمال مصطلح إعجاز الحديث حتى إذا تزايد الاهتمام بوجوه إعجاز القرآن المختلفة في العصر الحاضر ظهر تبعا لذلك إعجاز الحديث أو السنة في مجالات مختلفة إلا الجانب البياني طبعا ولا غرابة في ذلك فالبيان وحي كالقرآن والله أعلم
ـ[النورس]ــــــــ[18 Dec 2007, 02:08 ص]ـ
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الموضوع
ـ[معن الحيالي]ــــــــ[18 Dec 2007, 10:52 ص]ـ
بارك الله فيك ايها الشيخ الفاضل على هذا البيان المبين والكشف الكاشف عن غموض الادراك في المعاني.
يمكن ان نجد مسالة في مثل هذا الموضوع: وهي الورع العلمي وذلك في اطلاق اي كلمة او دلالة تشير الى المعنى او ما نتعاف عليه اليوم بالمصطلح ... فلا يخفى الفرق بين كلمة دلائل وبين كلمة الاعجاز ... وهذا ما اقوقفني متاملاعند هذه الكلمات- ((لذا فدلائل النبوة فيها المعجزات، وفيها غيرها مما يدل على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وما دام هذا كان متحرِّرًا عند علمائنا ـ رحمهم الله تعالى ـ فما الداعي إلى ترك الاصطلاح الدقيق لعلمائنا السابقين، واستبداله بمصطلح يحمل مشكلات علمية؟)) - والتي اشعرتني بقول الله تعالى في باب الوصية ((واذا قلتم فعدلوا) وارى مخاطبا نفسي اولا وغيري اذا كانت الاية الكريمة تدعونا الى القصد والعدل فيما نتكلم من امور المعاملات وما نقضي به امور الحياة الدنيا ... اليس من الاولى ان نكون عادلين في تعاملنا مع كلام القران الكريم واحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
بارك الله في الجميع ... ورزقنا حسن القول عبرة في حسن العمل.
كل عام وانتم بخير ....
كل عام وبلاد المسلمين في امن امان ..
والحمد لله اولا واخرا.