[الإمام أبو الوفاء ابن عقيل وبعض نصائحه الثمينة]
ـ[السراج]ــــــــ[10 Jul 2010, 02:37 ص]ـ
الإمام المحقق الكبير أبو الوفاء علي ابن عقيل الحنبلي البغدادي ولد سنة 431هـ وتوفي سنة 513هـ، كان رحمه الله تعالى من الصادعين بالحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الناصحين للخلفاء والولاة والعامة، لا يتردد إذا رأى منكراً أن يغيره، ويبادر بتنبيه الخلفاء والولاة إلى الإصلاح والنهج السليم، وله في هذا المجال أشياء كثيرة ضرب بها خير المثل، وله هيبة وكلمة مسموعة ونصيحة مقبولة.
فقد كتب إلى السلطان جلال الدولة ملكشاه وكانت الباطنية قد أفسدوا عقيدته، وبين له فساد أقوالهم وبطلان مذهبهم، فكان مما قال: " أيُّها الملك، اعلم أن هؤلاء العوام والجهال يطلبون الله من طريق الحواس، فإذا فَقدوه جحَدوه، وهذا لا يحسن بأرباب العقول الصحيحة، وذلك أن لنا موجودات ما نالها الحس ولم يجحدها العقل ولا يمكننا جحدها لقيام العقل على إثباتها.
فإن قال لك أحد من هؤلاء: لا تثبت إلا ما ترى، فمن ههنا دَخل الإلحادُ على جُهّال العوام، الذين يستثقلون الأمر والنهي، وهم يرون أن لنا هذه الأجساد الطويلة العميقة، التي تنمى ولا تفسد، وتقبل الأغذية وتصدر عنها الأعمال المحكمة، كالطب، والهندسة فعَلِموا أن ذلك صادر عن أمرٍ وراء هذه الأجساد المستحيلة وهو الروح والعقل، فإذا سألناهم: هل أدركتم هذين الأمرين بشيء من إحساسكم قالوا: لا، لكننا أدركناهُما من طريق الاستدلال بما صَدر عنهما من التأثيرات قلنا: فما لكم جحدتم الإله، حيث فقدتموه حسًا، مع ما صدر عنه من إنشاء الرياح والنجوم، وإدارة الأفلاك، وإنبات الزرع، وتقليب الأزمنة وكما أن لهذا الجسد عقلاً وروحًا بهما قوامه لا يحركهما الحس، لكن شهدت بهما أدِلةُ العقل من حيث الآثار، كذلك الله سبحانه - وله المثل الأعلى - ثبت بالعقل، لمشاهدة الإحساس من آثار صنائعه، وإتقان أفعاله ".
وأرسل هذا الفصل إلى السلطان مع بعض خواصه، قال: فحكى لي أنه أعادهُ عليه فاستحسنه، وهش إليه، ولعنَ أولئك، وكشف إليه ما يقولون له.
وكتب مرة إلى أبي شجاع وزير الخليفة المقتدي يوضح له مضار الوسواس وتجاوز الحد، مورداً الأدلة الجلية، ناصحاً له عما هو فيه من ذلك، فكان مما قال رحمه الله ": أما بعد، فإن أجل تحصيل عند العقلاء، بإجماع العلماء: الوقتُ، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص. فالتكاليف كثيرة، والآداب خاطفة. وأقلّ متَعَبدٍ به الماء. ومن اطلع على أسرار الشريعة علم قدر التخفيف ".
وكتب مرة إلى قاضي القضاة أبي الحسن بن الدامغاني رسائل تتضمن توبيخه على تقصير وقع منه في حقه،وفيها كلام خشن وعتاب غليظ.
ولما دخل السلطان جلال الدولة إلى بغداد، ومعه وزيره نظَّام الملك، قال النظَّام: أريدُ أن أستدعي بهم، وأسألهم عن مذهبهم، فقد قيل: إنهم مجسمة - يعني: الحنابلة-.
فقال ابن عقيل: فأحببتُ أن أصوغ لهم كلامًا يجوز أن يقال إذًا، فقلت: ينبغي لهؤلاء الجماعة أن يُسألوا عن صاحبنا؟ فإذا أجمعوا على حفظه لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، إلا ما كان للرأي فيه مدخل من الحوادث الفقهية، فنحن على مذهب ذلك الرجل الذي أجمعوا على تعديله، على أنهم على مَذهب قومٍ أجمعنا على سلامتهم من البدعة. فإن وافقوا على أننا على مذهبه فقد أجمعوا على سلامتنا معه؟ لأن متبع السليم سليم، وإن ادّعوا علينا أنّا تركنا مذهبه، وتمذهبنا بما يخالف الفقهاء، فليذكروا ذلك ليكون الجواب بحسبه. وإن قالوا: أحمد ما شبَّه وأنتم ما شبَّهتم، قلنا: الشافعي لم يكن أشعريًّا، وأنتم أشعرية. فإن كان مكذوبًا عليكم فقد كذب علينا، ونحن نفزع من التأويل مع نفي التشبيه، فلا يُعَاب علينا إلا ترك الخوض والبحث وليس بطريقة السلف. ثم ما يريد الطاعنون علينا، ونحن لا نزاحمهم على طلب الدنيا ".
وكتبَ مرة إلى الوزير عميد الدولة شرف الدين ابن جهير لما بنى سور بغداد، وأظهر العوام في الاشتغال ببنائه المنكرات، فكان مما قال رحمه الله:
¥