[صناعة الكتابة]
ـ[طالبة المغفرة]ــــــــ[31 Jul 2010, 12:23 ص]ـ
كثيرا مايرد السؤال عن كيفية الكتابة، وأدواتها، وسبل الترقي فيها إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا تكاد تهدأ.
وهناك أسباب تعين على الارتقاء بالكتابة، وتجعلها نافعة مؤدية لغرض منشئها، وإليك طرفاً من تلك الأسباب، فيما يلي:
1 - الإكثار من تلاوة القرآن وتدبره: فعلاوة على كون ذلك عبادة؛ فهو كذلك يقوي ملكة الكتابة؛ فالقرآن الكريم هو الذروة في البلاغة، وفيه اللفظ الجزيل، والأسلوب الذي لايدانيه أسلوب.
2 - الإكثار من مطالعة كتب السنة: كالكتب الستة وغيرها من الصحاح والمسانيد؛ فهي تمد الكاتب بالأساليب البيانية الراقية، وترفد مادته اللغويةوالشرعية, فالنبيصل1أوتي جوامع الكلم، ودنت له قطوف الحكمة.
3 - مطالعة دواوين العرب في الشعر وحفظ ماتيسر منها، كأشعار الجاهليين وخصوصاً أصحاب المعلقات، وكأشعار المخضرمين كحسان وغيره، ومما يفيد أيضا قراءة كتاب المفضليات، والأصمعيات، فهي مليئة بالقصائد الرائعة الرائقة.
وكذلك دواوين المعاصرين كالبارودي، وشوقي، وحافظ, وغيرهم.
4 - استكمال أدوات الكتابة: وذلك بالإلمام بقواعد اللغة، والبلاغة، وعلوم الشريعة، والثقافة العامة.
5 - الانصباب على مطالعة المنشآت البعيدة الغور في بيانها، المنتمية إلى الطرف الأعلى في عذوبة ألفاظها ورشاقة معانيهاككتابات ابن القفع، والجاحظ، وابن قتيبة.
وقل مثل ذلك في كتابات كثير من الكتاب المُحْدثين على تنوع مدارسهم، كالمنفلوطي، والرافعي، الزيات، وشكيب أرسلان.
ومن المعاصرين محمد الخضر حسين التونسي، ومحمد الطاهر بن عاشور التونسي، ومحمد البشير الإبراهيمي الجزائري.
6 - سلامة الذوق: وذلك بمراعاة حال القراء، واستشعار أنك أمامهم تنظر في تَلَقِّيهم لما تكتب.
ولايعني ذلك أن تجاملهم على حساب الحقيقة، وإنما تحسن المدخل، وتتلطف في الوصول إلى ماتريد؛ فذلك مما يأخذ بالألباب، ويجعل الكتابة تأخذ طريقها إلى القلوب.
7 - نبل الهدف، وسلامة المقصد: بحيث يكون الباعث على الكتابة نية الإصلاح، ورغبة الوصول إلى الحق، لا أن يكون باعثها المراء، والجدال، وطمس الحق.
8 - مراعاة حال الخصوم وأتباعهم: خصوصاً إذا كانت الكتابة رداً على أحد؛ فيحسن أن يراعي حال الخصوم، وحال أتباعهم، فيحرص الكاتب على لزوم العدل، والرفق، والتدرج بالخصوم، وتقريبهم من الحق بلطف ويسر.
ويحرص _كذلك_ على طهارة المنطق،وطلاوة العبارة، والبعد عن الاستعلاء.
ويحرص_كذلك_على اجتناب الكلمات الجافية المستكرهة، ويحذر من إطلاق عبارات السب، والتسفية؛ فالكتابة التي تُحرَّر برحابة صدر تَلْقَى من القبول مالا تلقاه الكتابة التي يخالطها السفه، والطيش.
9 - لزوم الاعتدال: وذلك بأن يكون الكاتب متزناً في طرحه، بعيداً عن التهوين والتهويل؛ فالحقيقة تضيع بين ذلك.
وذلك مما يدل على حكمة الكاتب، ورجحان عقله، وحرصه على الحقيقة.
10 - توظيف الثقافة والمعارف لخدمة الموضوع: فمن أعظم مايرتقي بالكتابة، أن يوظِّف الكاتب طاقاته وثقافته، ومعارفه لخدمة الغرض الذي يرمي إليه.
11 - العلم بموطن الشاهد، وإيراد النقول في مواطنها المناسبة: فيحسن به إذا اختار موضوعاً أن يجمع كل مايخدم موضوعه، ثم ينتقي من ذلك مايناسب المقام.
كما عليه أن يعرف موطن الشاهد، والمنزع؛ فلا يورد كلاماً في غير موضعه، ولا يستشهد بكلام في غير محله.
12 - العلم بما يُكتب: فلايخوض الكاتب في موضوع إلا وقد أحاط به علماً، ودراسة، وإلا عرَّض نفسه للذم، واللوم، ومن تكلم بما لا يعلم أتى بالعجائب.
13 - مراعاة أغراض الكتابة والتأليف: فيحسن بالكاتب ألا يكتب في موضوع ما إلا بعد النظر في الحاجة إليه، ومدى ملاءمته لأغراض الكتابة التي بيَّنها العلماء، وجمعها الناظم بقوله:
ألا فاعلمن أن التآليفَ سبعةٌ لكل لبيبٍ في النصيحة خالصِ
فشرحٌ لإغلاقٍ وتصحيحُ مخطئٍ وإبداعُ حبرٍ مقدمٍ غير ناكصِ
وترتيبُ منثورٍ وجمعُ مُفرقٍ وتقصيرُ تطويلٍ وتتميمُ ناقصِ
14 - مراعاة أدب النفس: وذلك بالتحلي بكل خلق جميل، والتخلي عن كل خلق رذيل.
قال ابن قتيبهرح1 في أدب الكاتب: (ونحن نستحب لمن قبل منا، وائتم بكتبنا أن يؤدب نفسه قبل أن يؤدب لسانه، ويهذب أخلاقه قبل أن يهذب ألفاظه، ويصون مروءته عن دنايا الغيبة، وصناعته من شين الكذب، ويجانب_قبل مجانبته اللحن، وخطل القول_ شنيع الكلام، ورفث المزاح).
15 - تخمير الكتابة: وذلك بألا تستعجل بإخراج ما تكتب؛ إذ يحسن أن تكتب، وتدع ما كتبت مدة، ثم ترجع إليه, وتعيد النظر فيه مرة بعد مرة، وتتعاهده بالتهذيب، والإصلاح.
16 - الحذر من الاستسلام للتثبيط: فكما أن الإنسان يُنصح بألا يستعجل، وبألا يعرض عقله على الناس إلابعد التروي، واستكمال أدوات الكتابة، فكذلك يحسن به ألا يتثبط أو يتوانى إذا كان مهيَّأً للكتابة.
بل عليه أن يُقْدِم, وألا يحتقر نفسه.
17 - عرض الكتابة على الآخرين؛ لأخذ رأيهم، والاستماع إلى ملحوظاتهم؛ فذلك أدعى لإحكام الكتابة، والاطمئنان إليها خصوصاً إذا عُرضت على ذوي علم وبصيرة.
18 - معرفة قدر النفس، وانشراح الصدر للنقد: فإذا وفّق الكاتب لإظهار ما عنده، فليوطِّن نفسه على مايُقال فيه، فمن ألَّف فقد استُهدف، فليعرف قدر نفسه، ولا يَطِشْ به مدح المادحين في زهو، ولا ينزل به قدح القادحين في حسرة.
ثم لينشرح صدره للنقد الهادف، بل عليه ألا ينزعج من النقد الظالم؛ لأن ذلك يدل على علو كعبه، وتأثير كلامه.
منقول بتصرف يسير.
ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع لكتاب (الارتقاء بالكتابة) لفضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله.
¥