["التنويريون السعوديون" .. قراءة هادئة وسط الضجيج]
ـ[خالد محمد المرسي]ــــــــ[15 Jul 2010, 07:08 ص]ـ
["التنويريون السعوديون" .. قراءة هادئة وسط الضجيج]
د. مسفر بن علي القحطاني
الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
عندما كثر الحديث عن الغلو والإرهاب في الآونة الأخيرة خصوصاً خلال العامين الماضيين؛ برزت على السطح كثير من الأفكار التصحيحية والإصلاحية وأطراً عدة للخروج من مأزق التكفير والتطرف وتهم الجمود الفكري والانغلاق الفقهي الذي وجه نحو الخطاب الإسلامي المعاصر. فكانت فرصة مهمة للمراجعة وإعادة النظر في كثير من الأولويات وتراتيب العمل الإسلامي والإصلاحي عموما.
ونظراً لكون المقام منصباً نحو التطرف والغلو كأساس للمراجعات , كان لابد لهذا التطرف أن يغري البعض بأفكار متطرفة في المقابل , قد تتفق أو تختلف من حيث القوة ولكنها تعاكسه من حيث الاتجاه.
فظهرت على الساحة الفكرية – متزامنة مع وهج الانفتاح الإعلامي العولمي- أطياف متعددة لرؤى تجديدية كان بعضها شديد القابلية لأسر اللحظة الحاضرة والمعطيات الجاهزة والبيئة المحيطة. فلم تأت بجديد بقدر ما هو إسماع بالتجديد. وبرزت تيارات فكرية بُعثت من جديد في وطننا بعد ركود دام عقود من الزمن عاشت عصرها الذهبي في بعض الأقطار الإسلامية.
كان من أبرزها حضوراً في الأزمة الراهنة " التيار التنويري " أو " العقلاني " ذو الثقافة والفلسفة الإسلامية.وقد حمل إرثه الإصلاحي طليعة من المثقفين السعوديين , برز منهم على الساحة الإعلامية بعض الشباب المثقف والمتحمس أيضا للصدام والمستعد لخوض معارك البقاء والمنعتق من قيد الأيدلوجيات التقليدية أو الحركية, مما أدى إلى سجالات ومعارك اقصائية شهدتها ساحات الإنترنت وبعض صحفنا اليومية وسط مناخات فكرية قاسية وثقافات كانت تحرم هذا الطرح جملة وتفصيلا.
إن شيوع استخدام مصطلح " التنوير " في وصف هذا الفكر الناشيء من قِبل أصحابه وغيرهم , يدعونا لدراسة الامتداد التاريخي والفكري للفلسفة التنويرية التي نشأت في أوائل القرن السابع عشر الميلادي , والتي يحلم البعض بمحاكاتها كتجربة رائدة يمكن تكرارها في المجتمعات المماثلة .. حيث انطلقت بداية التنوير العقلي والتحرر من القيود الدينية والسلطوية بشكل واضح مع الثورة الإنجليزية عام 1688م ,كتب أثناءها "جون لوك" مقالته "حول التسامح " ثم مقالته في "الفهم الإنساني " والتي أدت إلى حراك ثقافي وسياسي منع الاستبداد الكاثوليكي وسمح للبروتستانت وغيرهم بحرية العبادة والتعليم , وقد صدر قانون " التسامح " 1689م ليجعل انجلترا في تلك الحقبة أكثر دول أوروبا حرية وليبرالية.
خلال القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي برز النتاج الفكري والعلمي لفلاسفة التنوير والذي أطاح بجانب كبير من العقيدة المسيحية , وجعل العقل آلة الفهم للطبيعة والكون والحياة , وأُسقط كل ما هو خارق للطبيعة أو غيبي , وبدأ النقد اللاذع لسلطة الكنيسة وهيمنتها الإقطاعية الاستبدادية على الفكر والسياسة والمجتمع. من خلال تبطين النقد في بعض الروايات الدرامية الفلسفية؛كان أشهرها "إيلويز الجديدة " لجان جاك روسو , و"رسائل فارسية " لمنتسكيو , و "كانديرا" لفولتير , و" جاك القدري " لديدرو وغيرها من الروايات والمقالات , والتي أثارت الكنيسة وأتباعها فحرّمت قرأتها وتداولها في وقت انتشرت الصالونات الأدبية في كثير من المدن الأوربية كان أشهرها الصالونات الباريسية المحمومة بالنقد والإلحاد الذي بدأ يظهر على بعض الفلاسفة التنويريين.
في تلك الآونة برز النتاج العقلي الثائر على السلطة الكهنوتية التي جسدت القدر الإلهي المرسوم الذي لا يحيد عنه إلا هالك , وانتهى احتكار الرهبان والقساوسة للفلسفة والعلم. حينها توالدت النظريات الفلسفية العقلانية الصارخة على يدي " هيلفتيوس" و" ديكارت " و "سبنيوزا" بلغت قمتها وتطورها على يدي "هيجل" الذي تعدّ فلسفته الأعمق في الفكر الأوربي الحديث.
¥