[الناس والعطلة]
ـ[محبة القرآن]ــــــــ[13 Jul 2010, 04:42 ص]ـ
[الناس والعطلة]
* بقلم / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
تهب نسائم الصيف إثر عاصفة الامتحانات، فتهفوا نفوس الطلاب، والطالبات، وأهاليهم إلى الانطلاق بعد الحجر، والانبساط بعد الضيق، والتمتع بالعطلة والفراغ.
فهل يفرغ المؤمن يا ترى؟ وهل في قاموس المؤمن (عطلة)؟ الجواب: لا! قال تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشرح/7، 8]. قال الحافظ ابن كثير، رحمه الله: (أي: إذا فَرغت من أمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها، فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة). وقال صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري. ومعنى ذلك أنه ليس في حياة المؤمن (عطلة) بالمعنى المطلق للكلمة، وإنما هي عطلة نسبية، أو إضافية؛ كأن تنسب إلى عمل دون عمل، او إلى زمن دون زمن.
ومع ذلك فإن الناس يتفاوتون تفاوتا كبيراً في قضاء هذه العطلة النسبية؛ فمنهم:
- من يقضيها في معصية الله تعالى، ويحزم أمتعته للسفر إلى بلاد الكفر والفسوق، والخنا والفجور، يتبع الشهوات، وينتهك الحرمات.
- ومنهم من يجعلها فسحةً مباحة، ونزهةً بريئة، يستجم فيها، ويروح عن نفسه.
- ومنهم من يغتنمها لسفر طاعة؛ فيشد الرحال إلى أحد المسجدين، فك الله أسر ثالثهما، أو يصل رحمه، أو يجيب دعوة.
- ومن أصحاب الهمم العالية من يهتبل الفرصة للانخراط في حلق العلم، وحفظ القرآن والمتون، والدعوة إلى الله.
سبحان الله! (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ) [البقرة/60]، ولله في خلقه شؤون. وسر هذا التفاوت راجع إلى أمور:
أحدها: التفاوت في الإيمان بالآخرة: فكلما عظم الإيمان باليوم الآخر انبعث في النفس روح الاستعداد، وصاح بها حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
الثاني: التفاوت في العزم والحزم: فبعض النفوس جادة، وبعضها رخو. قال صلى الله عليه وسلم: (الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ) رواه أحمد والترمذي، وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
الثالث: التفاوت في العلم: فإن العلم نور وفرقان. وقد يكون لدى بعض الصالحين عزم وهمة، لكن لا يكون عنده من العلم والفصل ما يرتب به الأولويات، ويدرك به الفضائل.
رابعاً: التفاوت في التخطيط، وحسن التدبير: فمن الناس من يكون فوضوياً بطبعه، يعمل ثم يفكر، بدلاً من أن يفكر ثم يعمل، فيحدث الخلل.
فإذا رزق العبد باعثاً إيمانياً، وعزيمةً خلقية، ودليلاً علمياً، ونظراً ثاقباً، انفتحت له أبواب الخير، وضرب في كل محمدة بسهم، وإن فاته بعضها نقص من تحصيله بقدر ما فاته، وإن فاتته كلها، فهو بطًّال، عطَّال، ثقيل على الأرض وساكنيها.
والعقيدة تنشئ في النفس الهمة العالية، وتشعرها بقيمة الزمن، وتحملها على اغتنامه، فعن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه البهقي، والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه].
واعتبر، يارعاك الله، بحالك، وحال الناس، في هذه الإجازة المقبلة، التي تستغرق عند كثير من الناس، ربع عام؛ ثلاثة أشهر، بمَ تخرج، وبمَ يخرجون منها؟ قال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) [رواه مسلم]
* / قسم العقيدة - كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم
23/ 6/1429
المصدر:العقيدة والحياة ( http://www.al-aqidah.com/?aid=show&uid=wrdbwo41)