تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[سطور السنا]

ـ[محمد خليل الزروق]ــــــــ[05 Aug 2010, 03:36 م]ـ

قصيدة نبوية لعلي الجارم

كانت قضية الرسوم المسيئة إلى أصحابها المتطاولة إلى مقام النبي الأعظم، محمد - صلى الله عليه وسلم - المتهافتة دون أن تبلغه - مُظهِرَة لكوامن المحبة، وسواكن الوجد، ومذخور العشق، مما لم يُتوقع أن يبلغ - من العمل - هذا المدى، ولا أن يدرك هذه الغاية، فسارت المسيرات، وعُقدت المؤتمرات، وأُلفت الكتب، وأنشدت القصائد، وأنشئت المواقع، وأُطلقت القنوات، وصَدحت الأناشيد، وعَنَى الأمرُ الصغيرَ والكبير، والرجل والمرأة، والعربي والأعجمي، والمتعلم والأمي، والإسلامي والعلماني، والمتدين والمتهاون، فعبَّر كل عن غضبه وإنكاره، وعن حبه وإكباره، وصاحوا الصيحة المدوية: إلا رسولَ الله، وحاشا محمدَ بنَ عبد الله، فكانت قضيةً مُوقِظة مذكِّرة، باعثة ناشرة، نافعة غير ضارة. وهكذا يجري قضاء الله، فتكون الْمِحَنُ مِنَحًا، وتكون المصائب فوائد، والنكبات عوائد، وهكذا تتحقق سنن الله في عسى أن تكرهوا، وعسى أن تحبوا، (وما يعلم جنود ربك إلا هو)، (ويمكرون ويمكر الله)، (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سيبل الله، فسيُنفقونها، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يُغلَبون).

وإن أنْسَ لا أنس ما شهدته على قناة الجزيرة مباشر من اجتماع حاشد في إستانبول سد الأفق، وغمر الساحات والميادين، وملأ الدروب والسكك، وبعد انقضاء الخطب والكلمات قامت طفلة تسرد مناجاةً للرسول الكريم الحبيب - صلى الله عليه وسلم - تذكر ما عاناه في سبيل إيصال الخير إلينا، وما قاساه في طريق هدايته لنا، وما لاقاه لتبلغ الرحمة العالمين، وتمس بشاشة الإيمان قلوب الناس أجمعين، فأوذي وكُذِّب، وحوصر وأخرج، وطورد وحورب، ونابذه المولى وابن العم، والقريب وذو الرحم، وسال من وجهه الدم، وهي تسرد كل ذلك بنغم مُحَزِّن، وحرارة متعدِّية، ولفظ مسترسل، فخشعت الأصوات، وانكسرت الأبصار، وذرفت الدموع، ورقت القلوب!

* * *

دُعيت مرة إلى ندوة شعرية خصصت للقصائد النبوية - بمناسبة تلك الرسوم - ولم يكن لي شيء ذو بال أقوله في ذلك المقام، فقلت: إن لم أشارك بِمَقُولي، فلأشارك بِمَنْقُولي، فحملت ثلاث قصائد لثلاثة من فحول المعاصرين، واحدة لعلي الجارم المصري (1882 - 1949)، وستأتي - إن شاء الله - وأخرى لبدوي الجبل محمد سليمان الأحمد الشامي (1903 - 1981)، وأولها:

بِنُورٍ على أم القرى وبطيب * غسلت فؤادي من أسًى ولهيب

وثالثة لمحمد بهجة الأثري العراقي (1904 - 1996)، وأولها:

خلت العصور، وأنت أنت الأوحدُ * ذكرى مقدسة، ومجدٌ سرمدُ

ولم يسعف الوقت إلا لإلقاء قصيدة بدوي الجبل. وكنت أفكر في جمع القصائد النبوية للمعاصرين، ثم شُغلت عن ذلك، وأما القدماء فقامت على أشعارهم في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - دراسات، وتجد قدرا صالحًا منها في الحماسة المغربية للجراوي (-609)، ومِنَح المِدَح لابن سيد الناس (-734).

* * *

وأما علي الجارم فهو أزهري درعمي، ودرس التربية في انجلترا، وكان كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، ووكيلا لكلية دار العلوم، ومن مؤسسي مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وهو صاحب (النحو الواضح) و (البلاغة الواضحة) مع مصطفى أمين، وكان الكتابان فتحًا في التأليف المدرسي لقواعد اللغة العربية، بما فيهما من عصرية، وتنسيق، وتمرين، واقتصار على ما يقيم الألسنة والأيدي، ويغذي الملكات والأذواق.

وأما الشعر فشاعر من الأكابر، قال فيه العقاد: " إن الجارم ركن من أركان مدرسة شعرية تستحق الآن أن تُعرف بملامحها، وأن تستقل بعنوانها، فلا تلتبس بمدرسة أخرى تُنسب إلى علم من أعلام الشعر المخضرمين بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين، إنها مدرسة يجوز أن نسميها بمدرسة "دار العلوم" ... فإذا سمينا أركان هذه المدرسة الثلاثة، وهم: حفني ناصف، ومحمد عبد المطلب، وعلي الجارم، بترتيب السن أو الجيل - فمن السهل أن نلمس وجوه الشبه بين كل منهم وصاحبيه ... فالدرعمي لغوي عربي سلفي عصري، ولكن على منهج فريد في بابه بين مناهج المعاهد السلفية والمدارس الإفرنجية، وبين مناهج المحافظة والتجديد، ومناهج الابتداع والتقليد ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير