5 - فشت في السنوات الأخيرة حمى الدعوة إلى تعلم الإنجليزية، في معاهد تعليم اللغة في انجلترا، أو أمريكا، أو استراليا، وإغراء الناشئة، بل إغواؤهم بقضاء الإجازات في ربوع تلك البلاد، بغرض تعلم اللغة. وتنطلي هذه الحيلة على كثير من البسطاء، والسذج، والمبهورين، من الآباء، والأمهات، فيلقون بفلذات أكبادهم؛ من مراهقين، ومراهقات، في مهاوي الردى، ومراتع الرذيلة. وما دروا، ولا ينبئك مثل خبير، أن تلك المعاهد لا تعلم اللغة فقط، بل تعلم نمط الحياة، وتصبغ المنخرط فيها بثقافة اليهود، والنصارى، والملحدين. فهم يسوِّقون تعليمهم من خلال الرحلات المختلطة، والحفلات المستهترة، والعلاقات المحرمة، والإقامة بين عائلات كافرة، لا يضبطها ضابط من دين أو خلق، سوى دين الحرية الشخصية.
إن هذا الخطر الداهم يرمي إلى سلخ الأمة لا من لغتها، وحسب، بل من دينها، وعقيدتها، لتكون ذيلاً، وتبعاً، للأمم الكافرة المتغلبة. وإن على من بسط الله يده في توجيه السياسة العامة للأمة، أن يتبين الأبعاد الخطيرة التي يفضي إليها تغريب المسلمين، وتوهين لغتهم. وعلى حملة الأقلام العربية، أن يمتشقوا أقلامهم لتعزيز مكانة اللغة، والذب عن مكانتها، ولهم في حافظ إبراهيم أسوة حسنة، حين ثارت حميته العربية، الدينية، لنقد هذه الظاهرة التي أطلت برأسها في زمانه، واستوت قائمة في زماننا. فلنردد مع حافظ، حفظ الله لغة العقيدة، هذه الأبيات الوفية:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي **** وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني **** عقمت فلم أجزع لقول عداتي
ولدت فلمالم أجد لعرائسي **** رجالاً وأكفاءً وأدت بناتي
وسعت كتاب الله لفظاً وغاية **** ما ضقت عن آيٍ به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة **** وتنسيق أسماءٍ لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن **** فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني **** ومنكم، وإن عز الدواء، أساتي
أيطربكم من جانب الغرب ناعب **** ينادي بوأدي في ربيع حياتي؟!
أرى كل يوم في الجرائد مزلقا **** من القبر يدنيني بغير أناة!!
وأسمع للكتاب في مصر ضجةً **** فأعلم أن الصائحين نعاتي!!
أيهجرني قومي عفا الله عنهم **** إلى لغة لم تتصل برواة؟!
سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى **** لُعَابُ الأفاعي في مسيل فرات
فجاءت كثوبٍ ضم سبعين رقعة **** مُشَكَّلَةَ الألوان مختلفات
إلى معشر الكتاب والجمع حافل **** بسطت رجائي بعد بسط شَكَاتِي
فإما حياة تبعث الميت في البلى **** وتُنِبتُ في تلك الرموس رفاتي
وإما ممات لا قيامة بعده **** ممات لعمري لم يُقَسْ بممات
المصدر:العقيدة والحياة ( http://www.al-aqidah.com/?aid=show&uid=388is52z)