تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى هذا: فقولنا: يجوز أن يكون، ويجوز أن لا يكون؛ إنما هو جواز الشيء بمعنى الشكِّ في أيهما هو الواقع، وإلا ففي نفس الأمرِ أحدُهُما هو الواقع، ليس في نفس الأمر ظنياً مُتردِّداً بين الوقوع وعدم الوقوع.

والإمكانُ الذِّهنيُّ قد يرادُ به عدم العلم بالامتناع، وقد يراد به الشكُّ في الواقع، وكلا النوعين عدمُ علمٍ.

والإمكان الخارجي يراد به أن وجوده في الخارج ممكنٌ لا ممتنع،كولادة النساء ونبات الارض.

وأما الجزم بالوقوع وعدمه فيحتاج الى دليل، وفي نفس الأمر ما ثم إلا ما يقع أو لا يقع، والواقع لا بد من وقوعه، ووقوعه واجبٌ لازم، وما لا يقع فوقوعه ممتنعٌ، لكن واجب بغيره، وممتنع لغيره.

وهو واجب من جهات:

من جهة علم الرب من وجهين، ومن جهة إرادته من وجهين، ومن جهة كلامه من وجهين، ومن جهة كتابته من وجهين، ومن جهة رحمته، ومن جهة عدله.

أما علمه: فما علم أنَّهُ سيكون فلا بد أن يكون، وما علم أنه لا يكون فلا يكون.

وهذا مما يعترف به جميع الطوائف، إلا من ينكر العلم السابق كغلاة القدرية الذين تبرأ منهم الصحابة.

ومن جهة أنه يعلم ما في ذلك الفعل من الحكمة، فيدعوه علمه إلى فعله، أو ما فيه من الفساد؛ فيدعوه إلى تركه، وهذا يعرفه من يُقرُّ بأنَّ العلم داع، ومن يقر بالحكمة.

ومن جهة إرادته: فإنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

ومن جهة حكمته: وهي الغاية المرادة لنفسها، التي يفعل لأجلها، فإذا كان مُريداً للغاية المطلوبة لزم أن يريد ما يُوجِبُ حصولها.

ومن جهة كلامه من وجهين: من جهة أنه اخبر به، وخبره مطابق لعلمه.

ومن جهة أنه أوجبه على نفسه، وأقسم ليفعلنه، وهذا من جهة إيجابه على نفسه والتزامه أن يفعله.

ومن جهة كتابته إياه في اللوح، وهو يكتب ما علم أن سيكون وقد يكتب إيجابه والتزامه، كما قال: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي وقال كتب ربكم على نفسه الرحمة

فهذه عشرة أوجه تقتضي الجزم بوقوع ما سيكون، وأن ذلك واجب حتم لا بد منه.

فما في نفس الأمر جواز يستوي فيه الطرفان؛ الوجود والعدم، وإنما هذا في ذهن الإنسان لعدم علمه بما هو الواقع.

ثم من علم بعض تلك الأسباب علم الواقع، فتارة يعلم لأنه أخبر بعلمه، وهو ما أخبرت الأنبياء بوقوعه كالقيامة والجزاء، وتارة يعلم من جهة المشيئة، لأنه جرت به سنته الشاملة التي لا تتبدل، وتارة يعلم من جهة حكمته، كما قد بسط في غير هذا الموضع.

والحكمة والعدل والرحمة والعادة تعلم بالعقل، كما قد عرف من حكمة الرب وعدله وسنته،ويستدل بذلك على العلم والخبر والكتاب، كما أن العلم والخبر والكتاب، يُعلم بإخبار الأنبياء ويستدل بذلك على العدل والحكمة والرحمة.

والجهمية المجبرة لا تجزم بثبوت ولا انتفاء إلا من جهة الخبر أو العادة، إذ كانوا لا يثبتون الحكمة والعدل والرحمة في الحقيقة، كما قد بسط في غير موضع.

وحكي عن الجهم أنه كان يخرج فينظر الجذمي ثم يقول: " أرحم الراحمين يفعل هذا! " يقول: " إنه يفعل لمحض المشيئة، ولو كان يفعل بالرحمة لما فعل هذا! ".

وهذا من جهله، لم يعرف ما في الابتلاء من الحكمة والرحمة والمصلحة ".

لكن ينبغي أيضاً أن لا يغلط على الأشعرية، ويعلم أن هذه الممكنات عندهم ليست إلا ممكنات ذهنية غير واقعة.


المصدر:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=167390

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير