تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول تعالى في أول سورة المائدة (((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))) [المائدة: 2]، في هذه الآية يأمرنا الله بالتعاون على البر والتقوى، وينهانا عن التعاون على الإثم والعداون، ثم يأمرنا بالتقوى مرة أخرى، هذا الأمر بالتقوى يكون تعريفه أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، لكن ماذا عن التقوى الأولى، يأمرنا الله بالتعاون على البر، وهو كل حسن، وينهانا عن التعاون على الإثم وهو كل خطيئة، فهما ضدان البر والإثم، ويأمرنا بالتعاون على التقوى وينهانا عن العدوان، فالتقوى إذاً هي مقابل العدوان.

أي عدوان؟ وعلى من؟ بطبيعة الحال أي عدوان على أي أحد نحن منهيون عنه، وأي أحد تشمل أيضاً العدوان على أنفسنا، وهو العدوان الذي يطرد التقوى، هو العدوان على النفس، بتركها لشهواتها ورغباتها، لا يملأها إلا التراب، هذا العدوان الذي يُهلك والعياذ بالله.

فهمنا الآن معنى التقوى بأنها ضد العدوان على النفس بالمعاصي، فما علاقة ذلك بالصوم؟

لنعد لمعنى كلمة الصوم باللغة العربية، فالصوم لغة تعني الامتناع والإمساك، عن أي فعل، حتى ولو كان من الكلام، كما في القرآن الكريم عن مريم عليها السلام (((إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً))) [مريم: 26]، فهو إذاً الامتناع، وشرعاً هو الامتناع عن الأكل والشرب، وما يفطر خلال نهار رمضان.

لكن ما علاقة الطعام والشراب بالتقوى، وهل إذا امتنعت عن الأكل والشرب، سأصبح تقياً؟ بالتأكيد لا، فالامتناع عن الطعام والشراب، ماهو إلا رمزٌ فقط، للامتناع الأكبر عن المعاصي والشهوات، والتي هي عدوان على النفس، وهذا الأخير هو الذي يحقق التقوى، وليس عدم الأكل والشرب، بل إن الامتناع عن الأكل والشرب، لا حاجة له إن لم يمتنع المرء عن المعاصي، كما يقول عليه الصلاة والسلام (((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه))) فالحديث واضح تماماً، لا حاجة لترك الطعام والشراب، إن لم يترك المرء هذه المعاصي.

حسناً، علمنا الآن معنى التقوى، ومعنى الصوم، وهدف الصوم، فكيف نقيس ما أنجزناه خلال شهر رمضان؟ للآسف لا يمكن قياس ذلك إلا بعد رمضان، عندما ترى نفسك وتشعر إيمانك هل ينقص قليلاً قليلاً، أم دفعات ودفعات، هل تشعر بالإيمان ملأ قلبك وسيكفيك لشهور قادمة، أم حسبك أول أسبوع ولربما أول يوم من شوال، هنا نستشعر هل قُبل صيامنا؟ وهل حققنا هدف الصيام أم لا؟

ومن نافلة القول أن من قدر على الإمتناع عن المعاصي خلال شهر كامل، فهو قادر على الإستمرار على ذلك بقية أيام السنة، ومن عوّد نفسه على فعل خير خلال شهر كامل، فهو قادر على الإستمرار على هذا الفعل طيلة أيام السنة، فهذا هو المراد من هذا الشهر، حالة إيمانية عالية تعيشها في شهر واحد، وتحاول أن تطبقها بقية أيام السنة، لا أن تحصرها بهذا الشهر، فتصبح عبادة للوقت والزمن، وليست عبادة لله، والعياذ بالله.

بعد أن عرفنا كل ذلك، كيف نستعد للشهر الفضيل؟ بدايةً وقبل كل شيء، يجب أن نتوب لله توبة عامةً شاملة، نغسل بها ما ران على قلوبنا، طوال سنة كاملة، ويجب أن نحدث توبة خاصة لكل ذنب خاص نعرفه، ويترافق ذلك مع كثرة الاستغفار، فهذا ما يغسل القلوب ويلينها، ثم بعد ذلك، نعقد النية على أن نبلي بأحسن ما نستطيع خلال الشهر الفضيل، ليتحقق لنا العتق في أول ليلة فيه، فإن لم يكن ففي التي تليها وهكذا، ثم بعد ذلك زيادة فعل الخيرات، من صلاة وصدقات، وإماطة الأذى عن الطريق، والتبسم في وجوه الناس وغير ذلك كثير من ابواب الخير اللامحدودة بفضل الله.

هذا كله سيُليّن القلوب بإذن الله، ويجعلها مستعدة لجرعة إيمانية عالية، تساعدنا على البقاء متصلين برب العالمين لسنة كاملة ولرمضان قادم بإذنه تعالى.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير