وقد أوجب الإسلام حسن العشرة وصلة الرحم حتى مع الاختلاف في الدين، فقد أمر الله بحسن الصحبة للوالدين وإن كانا كافرين، فإن ذلك لا يقطع حقهما في البر وحسن الصحبة. بل ويمتد البر وصلة الرحم بالمسلم حتى تبلغ الرحم البعيدة التي مرت عليها المئات من السنين، فها هو النبي عليه الصلاة والسلام يوصي أصحابه بأهل مصر خيراً، براً وصلة لرحم قديمة تعود إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حيث قال: ((إنكم ستفتحون مصر .. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذِمة ورحِماً)). فكيف بالله عليك بالاخ الذي يقاطع أخيه وبابن الاخ الذي يقاطع عمه وعمّته بسبب أوهام عديمة أو أحقاد قديمة أو أسباب تافهة عفى عنها الزمن أدخلها الشيطان في قلوب المؤمنين فضرب بعضهم ببعض وشتت أمرهم وأوهن عقيدتهم وإيمانهم وأنقص من أجورهم وأكثر من عدوهم وقلل من تماسكهم فتنحى عنهم الشيطان وقد أصبحوا أشتاتاً متفرقين وأعداءً متخاصمين!؟
عن ابن دينار قال: أن كعب الأحبار جلس يوماً يعظ بأحد مساجد دمشق حتى إذا فرغ قال: إنا نريد أن ندعو فمن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر وكان قاطعاً للرحم إلا قام عنا، فقام فتى من القوم فولى إلى عمة له كان بينه وبينها هجرة فدخل عليها فصالحها فقالت: ما بدا لك؟! قال: أمرني كعب أن أفعل ذلك.
وعن الأعمش قال: كان ابن مسعود جالساً بعد الصبح في حلقة فقال: أنشد الله قاطع الرحم إلا قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربنا وإن أبواب السماء مرتجة دون قاطع الرحم.
وفي ظل هذا الزمان الذي تتغير فيه صفات الناس وأعرافهم فلو اقتضت أن الأعراف فسدت وصار الناس لا يبالون بالقطيعة وصارت القطيعة عندهم صلة فلا عبرة بهذا العرف لأن هذا العرف ليس عرفا إسلاميا فإن الدول الكافرة الآن لا تتلاءم أسرها ولا يعرف بعضهم بعضا حتى إن الإنسان إذا شب ولده وكبر صار مثله مثل الرجل الأجنبي الذي لا يعرف أن له أباً لأنهم لا يعرفون صلة الأرحام ولا يعرفون حسن الجوار وكل أمورهم فوضى فاسدة لأن الكفر دمرهم تدميرا والعياذ بالله لكن كلامنا عن المجتمع المسلم المحافظ فما عدّه الناس صلة فهو صلة وما عدّوه قطيعة فهو قطيعة وفي حديث أبي هريرة:أن الله سبحانه وتعالى تكفل للرحم بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها وفي هذا حث وترغيب في صلة الرحم فإذا أردت أن يصلك الله فصل رحمك وإذا أردت أن يقطعك الله فاقطع رحمك جزاء وفاقا وكلما كان الإنسان لرحمه أوصل كان الله له أوصل وكلما قصر جاءه من الثواب بقدر ما عمل ولا يظلم ربك أحدا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك رواه مسلم.أي كأنك تذرو في أعينهم الرماد الحار. وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ولا شيء على المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخالهم الأذى عليه والله أعلم
فهذه رسالة لا أوجهها لأحد بعينه ولا أخص بها مخصوص، بل هي عامة لكل موحد يرجو رحمة ربه دون تكبر أو استكبار. فالحياة قصيرة فلا يغرنك تلاعب الشيطان فإن مصائده أحياناً تخفى على العالم والجاهل، والخاسر من أرخى سمعه للقيل والقال. وخير الناس المتجاهل عن السوء والخطأ وسقط الحديث يقول الشاعر:
سأطبق أجفاني على مضض القذى وإن عرف الجهال أني جاهل
فسارع أخي المسلم لمصالحة من ظلمك قبل الذي أحسن اليك. واعف عمّن أساء اليك وإن لم يبادر في الصلح معك. وكن دائماً أنت الأول في كل شيء. فإن فعلت ذلك تكون أنت الأفضل عند الله تعالى
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَحلُ لِمسلمٍ أنْ يَهجُر أَخاه فَوق ثَلاثةِ أَيام يَلتقِيان فَيعرِضُ هَذا ويُعرضَ هَذا وخَيرُهُما الذي يَبدأُ بالسلام)
أسأل الله تعالى أن يجمع بين قلوبنا ويجنبنا القطيعة والبغضاء ويحبب الينا صلة الارحام وأن يحسن أخلاقنا جميعاً الى ما يحب ويرضى أنه ولي ذلك والقادر عليه.
ـ[أحمد صالح أحمد غازي]ــــــــ[22 Jul 2010, 12:02 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذه اللفتة الكريمة التي جهلها بعض الخاصة فكيف بالعامة، وأضيف إلى ذلك انهم ذكروا أنه حتى إذا انفصل الزوجان فإنهما تبقى بينهما رحم، وتزداد متى كان بينهما أبناء، ولقد وجدت من بعض العلماء من يجعل للعلم رحما تجمع بين طلابه ومشائخه، والصداقة والزمالة والرفقة، و .... ، لكن الملاحظ أن مأتى هذه غير مأتى تلك.
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[30 Jul 2010, 11:04 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذه اللفتة الكريمة التي جهلها بعض الخاصة فكيف بالعامة، وأضيف إلى ذلك انهم ذكروا أنه حتى إذا انفصل الزوجان فإنهما تبقى بينهما رحم، وتزداد متى كان بينهما أبناء، ولقد وجدت من بعض العلماء من يجعل للعلم رحما تجمع بين طلابه ومشائخه، والصداقة والزمالة والرفقة، و .... ، لكن الملاحظ أن مأتى هذه غير مأتى تلك.
بارك الله بك أبا عبد الله. وإن هذا للأسف معمول به في الغرب وليس عندنا. فما زال المطلّق يزور مطلقته وأبنائه منها وعلى مرأى من زوجها وبحضوره.