وَهُوَ ما يقع من الْمُحَدِّثِيْنَ من التعبير بالتحديث أَوْ الإخبار عَنْ الإجازة موهماً للسماع، وَلَمْ يَكُنْ تحمله لِذَلِكَ المروي عَنْ طريق السَّمَاع.
ثانياً. حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ:
إنّ مجموع معانيه تؤول إلى إخفاء العيب، وليس من معانيه الكذب، ومع ذَلِكَ فَقَدْ اختلف العلماء في حكمه وحكم أهله.
فَقَدْ ورد عن بعضهم ومنهم - شعبة - التشديد فِيْهِ، فروي عَنْهُ أنه قَالَ:
((التدليس أخو الكذب))، وَقَالَ أَيْضاً: ((لأن أزني أحب إليّ من أن أدلس)).
ومنهم من سهّل أمره وتسامح فِيْهِ كثيراً، قَالَ أبو بكر البزار: ((التدليس ليس بكذب، وإنما هُوَ تحسين لظاهر الإسناد)).
وَالصَّحِيْح الَّذِيْ عليه الجمهور أنه ليس بكذب يصح به القدح في عدالة الرَّاوِي حَتَّى نرد جميع حديثه، وإنما هُوَ ضَرْبٌ من الإيهام، وعلى هَذَا نصّ الشَّافِعِيّ –رحمه الله– فَقَالَ: ((ومن عرفناه دلّس مرة فَقَدْ أبان لنا عورته في روايته، وليست تِلْكَ العورة بالكذب فنرد بِهَا حديثه، ولا النصيحة في الصدق، فنقبل مِنْهُ ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق)).
ويمكن حمل التشدد الوارد عن شعبة عَلَى ((المبالغة في الزجر عَنْهُ والتنفير)).
وإذا تقرر هَذَا، فما حكم حَدِيْث من عرف بِهِ؟ للعلماء فِيْهِ أربعة مذاهب:
الأول: لا تقبل رِوَايَة المدلس، سواء صرح بالسماع أم لا، حكاه ابن الصَّلاَحِ عن فريق من أهل الْحَدِيْث والفقه، وهذا مبني عَلَى القَوْل بأنّ التدليس نفسه جرح تسقط بِهِ عدالة من عُرِف بِهِ. وهذا الَّذِيْ استظهره عَلَى أصول مذهب الإمام مالك القاضي عَبْد الوهاب في الملخص.
الثاني: قبول رِوَايَة المدلس مطلقاً، وَهُوَ فرع لمذهب من قَبِلَ المرسل ونقله الْخَطِيْب البغدادي عن جمهور من قَبِلَ المراسيل، وحكاه الزركشي عن بعض شارحي أصول البزدوي من الحنفية. وبنوا هَذَا عَلَى ما بنوا عَلَيْهِ قبول المرسل؛ من أنّ إضراب الثقة عن ذكر الرَّاوِي تعديل لَهُ، فإن من مقتضيات ثقته التصريح باسم من روى عَنْهُ إذا كَانَ غَيْر ثقة.
الثالث: إذا كَانَ الغالب عَلَى تدليسه أن يَكُوْن عن الثقات فهو مقبول كيفما كانت صيغة التحديث، وإن كَانَ عن غَيْر الثقة هُوَ الغالب رد حديثه حَتَّى يصرح بالسماع، حكاه الْخَطِيْب عن بعض أهل العلم، ونقله الزركشي عن أبي الفتح الأزدي.
الرابع: التفصيل بَيْنَ أن يروي بصيغة مبينة للسماع، فيقبل حديثه، وبين أن يروي بصيغة محتملة للسماع وغيره فلا يقبل. وهذا الَّذِيْ عَلَيْهِ جمهور أَهْل الْحَدِيْث وغيرهم وصححه جمع، مِنْهُمْ: الْخَطِيْب البغدادي وابن الصَّلاَحِ وغيرهما.
ثالثاً. حكم الْحَدِيْث المدلس:
لما كَانَ في حَدِيْث المدلس شبهة وجود انقطاع بَيْنَ المدلس ومن عنعن عَنْهُ، بحيث قَدْ يَكُوْن الساقط شخصاً أو أكثر، وَقَدْ يَكُوْن ثقة أَوْ ضعيفاً. فلما توافرت هَذِهِ الشبهة اقتضى ذَلِكَ الحكم بضعفه.
المصدر:
http://www.hadiith.net/montada/showthread.php?t=2544
ـ[ماهر الفحل]ــــــــ[12 Aug 2010, 11:35 م]ـ
بالنسبة للإرسال الخفي ما هو؟ وإذا تكرمت تمثل لنا بسند وقع فيه إرسال خفي حتى يتبين لنا أكثر؟
الجواب:
تدل كلمة الإرسال من حيث عمومها على عدة معان:
أولا: الانقطاع الظاهر.
ثانيا: التدليس.
ثالثا: الإرسال الخفي.
رابعا: سقوط ما فوق التابعي.
و المرسل في إطلاق المتقدمين يراد به كل انقطاع في السند سواء كان الانقطاع في أول السند أو في آخره أو في وسطه،و ذلك هو مذهب أكثر الاصوليين و أهل الفقه و الخطيب و جماعة من المحدثين.
ثم استقر الاصطلاح في: أن المرسل لا يطلق إلا على ما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه و سلم.
و قد مزج ابن الصلاح بين التدليس و الإرسال الخفي، فقد عرف التدليس - أي: تدليس الإسناد -بقوله: ((هو أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه؛ موهما أنه سمعه منه، أو عمن عاصره، و لم يلقه موهما أنه لقيه و سمعه منه)).
و قد اعترض الحافظ ابن حجر على قوله: ((عمن عاصره و لم يلقه)) بأنه ليس من التدليس، بل هو من المرسل الخفي إذ قال: ((و التحقيق فيه التفصيل:و هو أن من ذكر بالتدليس أو الإرسال إذا ذكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه فهو تدليس، أو عمن أدركه و لم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال)) (النكت 2/ 614).
فتبين لنا من هذا أن كلمة الإرسال تدل على أربعة معان:
الأول: الانقطاع الظاهر، و هو:أن يروي الراوي عمن لم يعاصره.
الثاني: تدليس الإسناد، و هو: أن يروي الراوي عمن لقيه و سمع منه ما لم يسمعه.
الثالث: المرسل الخفي، و هو: أن يروي الراوي عمن عاصره و لم يلقه، أو لقيه ولم يسمع منه.
الرابع: سقوط ما فوق التابعي.
http://www.hadiith.net/montada/showthread.php?t=2544
¥