لدينا في العصر الحاضر بعض القواعد الأكاديمية في البحث العلمي _ كالعزو في كل كلمة لقائلها _ فلو طُبقتْ بحذافيرها على بعض العلماء المتقدمين ألا تتجه التهمة لهم؟ مع اعترافي بأهمية القواعد البحثية الحالية وحفظها للكثير من الحقوق.
ألا ترون شيخنا أن مفهوم السرقة العلمية بحاجة لتحديد وتوضيح؟ مع تبيين معايير تطبيقات هذا المفهوم؟ أم أن مفهوم السرقة العلمية يختلف بعدة اعتبارات فما كان معتاداً عليه في السابق قد يُذم الآن؟
ـ[عيسى السعدي]ــــــــ[17 Aug 2010, 08:41 م]ـ
أشكر فضيلة الشيخ حاتم القرشي على حسن ظنه بأخيه وعلى متابعته الدائبه لما يطرح من موضوعات وبخصوص ماذكره فضيلته فلدي حوله الكلمات الآتية:-
1 - السرقة العلمية تعني ادعاء جهد الآخرين إما كله أوجله أوبعضه، وهي مذمومة فيما أعلم عند العلماء المتقدمين والمتأخرين وهذا أصل شرعي كلي.
2 - من القواعد الشرعية المقررة أن العادة محكمة وأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا وحينئذ فالالتزام بقواعد البحث العلمي الحديث مطلب شرعي كما هو مطلب أكاديمي.
3 - هناك فرق كبير ومؤلم بين مقصد المتقدمين في التأليف وبين مقصدنا نحن، فالباعث الغالب علينا إلا مارحم ربك كتابة مانكتبه ابتغاء عرض من الدنيا والباعث الغالب على الأولين كتابة مايكتبونه ابتغاء وجه الله والدار الآخرة والرغبة الصادقة في نشر العلم، ولهذا يترخص بعضهم في النقل عن الآخرين دون عزو؛ إذ مقصود الجميع نشر العلم وتبليغ دين الله. وهذا لاشك خلاف الأولى الذي يقر به حتى هؤلاء العلماء وقد رأيت واحدا من أفضلهم يؤكد على أن من بركة العلم عزوه لأهله ثم رأيته في مواضع كثيرة ينقل عن غيره الصفحات تلو الصفحات دون عزو!! فهذا الضرب من العلماء يعتذر له لحسن قصده ولايحتج بفعله! وقد تكون حجة بعضهم أنه اشار إلى مراجعه في المقدمة وحينئذ يكون في حل من التوثيق الجزئي كما فعل البغدادي في خزانة الأدب! وقد يكون اهمال العزو ليروج الكتاب كما فعل ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية، فلو عزا لابن تيمية وابن القيم لما راج الكتاب في تلك الظروف!
4 - من القواعد المقررة عند العلماء أن القواعد الكلية لاتقدح فيها قضايا الأعيان لأن لكل قضية ماقد يبررها أويفسرها فإذا وجدنا من له لسان صدق في الأمة ينقل دون عزو فقد يكون لتأويل يخصه قد يكون فيه مصيبا له أجران وقد يكون مخطئا له أجر واحد! وعلى كلا التقديرين يبقى الأصل كليا مطردا فسرقة الأفكار مذمومة وانتحال الكتب أشد ذما!!
5 - الغالب على العلماء الراسخين الذين يسر الله لهم ظروف التوثيق أنهم يلتزمون بالتوثيق الجزئي كما فعل ابن حجر في فتح الباري فلا أذكر أنه أهمل عزو قول أوفكرة لأحد إما قال فلان أوقال بعضهم ولعل هذا من أسباب وضع القبول لكتابه.
6 - تكاد تكون أعمالنا العلمية إلا مارحم ربك وسيلة لنيل عرض من الدنيا وحينئذ يتأكد الالتزام بالأعراف الجامعية، لأن نيل مارتب عليها مشروط بموافقتها لقواعد البحث العلمي في التوثيق والجدة والابتكار. والمعروف عرفا كالمشروط شرطا (((ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود))) (((ومن نكث فإنما ينكث على نفسه))) لأنه إنما يأكل بما سرق من غيره سحتا وكل جسم نبت من سحت فالنار أولى به هذا فضلا عن تأثير الحرام في تعسير الأمور وتعطيل سلاح المؤمن الفعال وهو الدعاء!
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[18 Aug 2010, 05:48 ص]ـ
فالباعث الغالب علينا إلا مارحم ربك كتابة مانكتبه ابتغاء عرض من الدنيا والباعث الغالب على الأولين كتابة مايكتبونه ابتغاء وجه الله والدار الآخرة والرغبة الصادقة في نشر العلم
ما أروع هذا الكلام وأصدقه! جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل.
وإن المتأمل في الرسائل الجامعية والأبحاث في الأوساط الأكاديمية وما سواها يجد أن الباعث الأول عليها في الغالب هو الحصول على أمر دنيوي فمن خرج منها كفافاً فهو سعيد، ومن حسنت نيته وتعاهدها فهو خير على خير. والله المستعان.
وبخصوص النقاط التي دونتَها تعليقاً على استفساراتي فأسأل الله أن يجعلها في موازين حسناتك شيخنا الكريم، وإنها بحق لمن الكلام المحرر النفيس، فلقد كفيت ووفيت.
لا حرمنا الله من فوائدك وتوجيهاتك المؤثرة.