تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

11 - كتاب الى صديق نال شهادة العالِمية.

12 - كتاب الى صديق معاتب.

13 - كتاب أدوار الشوق الى صاحب فارق عاحلاً.

14 - كتاب في معناه.

15 - كتاب مختوم بالانذار.

16 - كتاب يتضمن سبب ارسال سابقة والشكر على اجابة الدعاء.

17 - بعد طئ. ببداء الامتحان بالسنة الثامنة.

18 - كتاب الى صديق نأى فلم يواصل

19 - كتاب بعد فترة – أو نافثات الصدور ودموع الشجى.

20 - كتاب الى مربي صالح ليستمد منه النظر.

21 - الى الوالد الجليل: الشيخ عبدالله دراز.

ـ[خالد محمد المرسي]ــــــــ[17 Aug 2010, 05:11 ص]ـ

21=إلى الوالد الجليل

الديباجة .... ... أحييك بما أنت أهله وأسأل لك من الله طول البقاء، وبعد فإن هذا النجل الخاضع يتشرف بأن يبدي كلمات طالما جاشت بها نفسه وضاق بها صدره ولم يأن لها أن تنسخ من صحيفة الفؤاد إلى قرطاس المداد إلا في هذا الوقت المناسب لبروزها.

أي والدي العزيز!

منذ عامين أو ثلاثة أعوام أتيح لي يوم، أخذت فيه مضجعي وسرحت نظري إلى هذا الكون الضخم والعالم العظيم وعلاقة الناس عمومًا به وعلاقتي به خصوصًا، فإذا هو ميدان واسع لايحرز فيه قصب السبق إلا من أعدَّ له عُدتين أمَّا إحداهما فأن يتزود من علومه الدينية والدنيوية ويملأ منها وطابه. وأما الأخرى فأن يطيل ممارسته ويكثر من خبرته وتجريبه حتى يعرف سننه وقواعده ويميز نفعه من ضرره وصفوه من كدره وحتى يسلم من بوائقه ويسلك سبيله السويّ.

هنالك رأيتني بإزاء أشياء جمّة ومسائل متشعبة. كثير منها ما أنكره ألبتة ومنها ماأنكر باطنه وأعرف ظاهره وقليل ماكشفت ستره وسبرت غوره رأيتني كذلك فهاج بي التوق ونازعتني نفسي أن ألتمس من عباب معارفكم قطرة وأقتبس من شهاب تجاريبكم جذوة علّني أروي بالأولى غُلّتي وأضئ بالثانية ظلمتي فأهتدي بهما صراطًا مستقيما.

هاجت بي تلك الرغبة ونازعتني هذه النفس ولكن ضاق صدري ولم ينطلق لساني حينما أشفقت ألا أكون لذلك أهلا وكففت عن الدخول فيما عساه أن يخجلني أو يوجلني.

كان ذلك حينئذ، أما الآن وقد زال بعض هذا الإشفاق وصرت أراني حقيقًًا بذلك الالتماس لالعلمي بعلو المكانة وسمو المنزلة عن ذي قبل ولكن لأني سمعت فيما سمعت من أقوال الشعراء الحكماء قول القائل:

قد ينفع الحَدَثَ التأديبُ في صِغَر وليس ينفع بَعَدَ الشيبة الأدبُ

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن يلين إذا قومته الخشبُ

لذلك ولحذري من أن يجئ يوم إتمام الدراسة وأنا لما أتقن عدتي فلاأري إذ ذاك متسعا لسؤال ولايسعني إلا الصبر على مضاضة الإقلال.

فالآن وفي هذه الحال – قد يحق لي أن أبدي لكم، مابدا لي فإما قبولاً حسنًا وإما صفحًا جميلا.

أي والدي: إني سلكت سبيل العلم مع من سلكه من أترابي وأقراني ولم نزل نقطع في صحاريه ونطوي من فيافيه حتى انقضى جُلُّه ولم يبق إلا قُلُّه. ثم اننا كم غادرنا فيه من وديان وشعوب لم نقف على دقائقها ولم نكتنه حقائقها ‘إذ كان مَرُّنا عليها مر الكرام على لغو الكلام او لسحابة الصيف وخيال الطيف وأخرى لم تنصرف نحوها الهمم ولم يطأها منا قدم فرضينا فيها من الغنيمة بالإياب، وهانحن أولاء أبصرنا ما يحف بهذا الطريق من المخاوف والمخاطر لمن لم يقتعد صهوته ويركب ذروته غايته فأنى لنا بهاتيك المكانة القعساء ومَن لنا بها.

ياأبت إن ذهني"على قصوره" ليس يرى وسيلة لتخطي هذه العقبات بعزم وحزم إلا الاستمداد من خزائنكم الكمينة والتزود من نصائحكم الثمينة فهي في ملتي واعتقادي السلم الوحيد الذي بتوالي مدارجه وتتابع معارجه يمكنني أن أجتاز هذا السبيل بأمان بل هي ماء الحياة الطيب الذي بطول استقائه وكثرة تعهدي به أستطيع أن أحظى بنعمة الحياة الكبرى وأتمتع بنسيمها اللذيذ هنيئا مريئا، نعم، ولقد كنت كلما ذكرت قولكم للتلميذ الأسبق – حسنين محمد مخلوف (إحفظ هذا الخطاب وانسج على منواله) طار فؤادي أسى وأسفا وفاضت نفسي غيظًا وغبطة على هذه الحظوظ التي فاز بها الأجنبي البعيد وحُرِمَها المنسوب القريب، غير أني كنت أطمئنها برجاء المستقبل وأقول لها: يانفس صبرا لعل الخير عقباك، وعسى يوما أن تبوئي بهذه المنزلة ياأبت أفلم يأن لها أن تحملها؟.

هذا ثم إني رأيت في عُدّتي الأخرى بضاعةً مزجاة وتجارة كاسدة ماكان احوجني فيها إلى القوة والنماء، تلك تجاريب الزمان وسبل الحزم في الأعمال واستباط العواقب ومعرفة أخلاق الناس وحسن معاملتهم وطريق الجمع بين رضى الله ورضاه. إلخ. إلخ فأنى لهذا الشاب الذي لم يَعْدُ (بل لم يبلغ) العشرين وهو لايزال عاكفًا على الدرس في مسجده والتحصيل في حجرته – أنى له – ان يعرف من ذلك قليلا او كثيرا إلاماسنح له سنوحًا وفاجأه مفاجأة.

على أنني كنت أحسب على نفسي غُليطات اجتماعية وعدم حزم في أعمال جزيئة فأأنبها عليها معتقدًا بأن الذي عرفت منها أقل مماجهلت على حد قول القائل:

العين تبصر منها مانأى ودنا ولاترى نفسها إلا بمرآة

وربما وقعت تلك الغليطات على مرأى منك فلاأرى إنكارًا لها ولاإرشادًا إلى الصواب فيها حتى كأنما عمدت لتسلمني إلى معترك الأيام لتريني عيانًا ماترينيه بيانًا.

حبذا الرأي ونعمَّا هو بيد أنه شئ يطول مراسه وطريق واسع ينبغي اختزاله لاسيما على ناشئ مثلي ليس له من سعة الوقت وتقدم السن ووفور الحلم مايؤهله لهذه الخبرة وذلك الابتلاء اللذين قد تفنى فيهما الأعمار ولايهتدي إليهما إلا من شاء الله.

إلا وأنك ياأبت قد عرفت من ذلك مالم يعرفه غيرك وبصرت بمالم يبصر به أندادك فضلاً عمن سواهم فلهذا وذاك لجأت إلى هذا القرطاس فبعثته رسول سلام وسفير استرحام وأنا على رجاء أكيد وأمل وطيد في إكرام وفادته وسلام عليكم.

19 شعبان سنة 1331 هجرية – 22 يوليو سنة 1913م

الدكتور محمد عبدالله دراز – رحمه الله تعالى -

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير