تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويوضح ذلك كلام شيخ الإسلام (ت: 728 هـ) رحمه الله في تفسير الصوفية حيث يقول:

"وجماع القول في ذلك أن هذا الباب نوعان:

أحدهما: أن يكون المعنى المذكور باطلاً؛ لكونه مخالفاً لما عُلِمَ، فهذا هو في نفسه باطل، فلا يكون الدليل عليه إلا باطلاً؛ لأن الباطل لا يكون عليه دليل يقتضي أنه حق.

الثاني: ما كان في نفسه حقاً، لكن يستدلون عليه من القرآن والحديث بألفاظ لم يُرَد بها ذلك، فهذا الذي يُسَمُّونَه إشاراتٍ ...

وأما النوع الثاني: فهو الذي يَشْتَبِهُ كثيراً على بعض الناس، فإن المعنى يكون صحيحاً لدلالة الكتاب والسنة عليه، ولكن الشأن في كون اللفظ الذي يذكرونه دلَّ عليه، وهذا قسمان:

أحدهما: أن يقال أن ذلك المعنى مرادٌ باللفظ، فهذا افتراءٌ على الله ...

والقسم الثاني: أن يجعل ذلك من باب الاعتبار والقياس، لا من باب دلالة اللفظ، فهذا نوع من القياس، فالذي تسميه الفقهاءُ قياساً هو الذي تسميه الصوفية إشارة، وهذا ينقسم إلى صحيح وباطل كانقسام القياس إلى ذلك" [مجموع الفتاوى: (13/ 240 ـ 243). باختصار].

ويقول: "ولكن منها ما يكون معناه صحيحاً، وإن لم يكن هو المراد باللفظ، وهو الأكثر في إشارات الصوفية، وبعض ذلك لا يجعل تفسيراً؛ بل يجعل من باب الاعتبار والقياس، وهذه طريقة صحيحة علمية" [مجموع الفتاوى: (2/ 27)].

وقال: "فإن المعاني تنقسم إلى حق وباطل. فالباطل لا يجوز أن يفسر به كلام الله. والحق إن كان هو الذي دل عليه القرآن فُسِّرَ به، وإلا فليس كل معنى صحيح يفسر به اللفظ لمجرد مناسبة" [مجموع الفتاوى: (2/ 27)].

فاتضح من ذلك أن ما يسمى بالتفسير الإشاري لا ينطبق عليه حد الاستنباط فليس هو استخراج من النص القرآني وإنما هو قياس على ما ذكر فيه.

وأما بالنسبة للاستنباط من مجموع حروف القرآن فأكثر ما يكون ذلك في المغيبات ولا شك أن الاستنباط في أمر المغيبات أمر مردود لاستحالة الوصول إليها إلا بالسمع المنقطع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

وقد أنكر العلماء رحمهم الله تعالى استخراج شيء من القرآن في موضوع المغيبات:

ولذا نجد أكثر القائلين بشمولية القرآن لكل شيء وهو المرسي (ت: 655 هـ) قد استثنى تلك المغيبات مما يمكن الوصول إليه بالقرآن قال السيوطي: (وقال المرسي (ت: 655 هـ): جَمَعَ القرآنُ علومَ الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علماً ـ حقيقة ـ إلا المتكلم به، ثم رسول الله ? خلا ما استأثر الله به سبحانه) [الإكليل: (1/ 243)، الاتقان: (2/ 260)].

وقال الطبري (ت: 310 هـ): " والذي لا حاجة لهم إلى علمه منه هو العلم بمقدار المدة التي بين وقت نزول هذه الآية ووقت حدوث تلك الآية فإن ذلك مما لا حاجة بهم إلى علمه في دين ولا دنيا وذلك هو العلم الذي استأثر الله جل ثناؤه به دون خلقه فحجبه عنهم وذلك وما أشبهه هو المعنى الذي طلبت اليهود معرفته في مدة محمد وأمته من قبل قوله (الم) و (المص) و (الر) و (المر) ونحو ذلك من الحروف المقطعة المتشابهات التي أخبر الله جل ثناؤه أنهم لا يدركون تأويل ذلك من قبله وأنه لا يعلم تأويله إلا الله " [جامع البيان: (3/ 157)].

وقال ابن كثير (ت:772هـ) في الأحرف المقطعة في بداية السور: " وأما مَنْ زَعَمَ أنها دالةٌ على معرفة المُدَد، وأنه يُسْتَخْرج من ذلك أوقات الحوادث، والفتن، والملاحم، فقد ادَّعى ما ليس له، وطار في غير مطاره " [تفسير ابن كثير: 28].

ومما سبق يتبين أن الاستنباط حين يتعلق بمعرفة ما استأثر الله بعلمه فإنه استنباط مردود وغير صحيح، لأن الله جل وعلا لم يجعل لأحد أن يتوصل إلى الغيب إلا بطريق الإيحاء إليه من الرسل، وقد بين أن من الغيب ما لا يطلع عليه حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام فكيف بمن دونهم.

ويمكن التمثيل لمن خالف هذا الشرط فاستنبط ما لا يجوز له استنباطه بما يلي:

استنباط اليهود مدة هذه الأمة من الأحرف المقطعة في بداية السور:

قال ابن جرير (ت: 310 هـ): " وكان قوم من اليهود على عهد رسول الله طمعوا أن يدركوا من قبلها معرفة مدة الإسلام وأهله، ويعلموا نهاية أجل محمد وأمته، فأكذب الله أحدوثتهم بذلك، وأعلمهم أن ما ابتغوا علمه من ذلك من قِبَلِ هذه الحروف المتشابهة لا يدركونه، ولا من قِبَلِ غيرها، وأن ذلك لا يعلمه إلا الله" (3/ 174).

وبهذا يعلم أن استنباط ما لا مجال للرأي في الوصول إليه سبب في عدم صحة الاستنباط ولذا قال الماوردي (ت: 450): " فإذا صح جواز الاجتهاد في استخراج معاني القرآن من فحوى ألفاظه وشواهد خطابه، فقد قسم عبد الله بن عباس (ت: 68هـ) رضي الله عنه وجوه التفسير على أربعة أقسام " ثم أوردها ثم قال: " وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة " ثم قسم التفسير ثلاثة أقسام وقال: " أحدها: ما اختص الله تعالى بعلمه كالغيوب، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره ولا يجوز أن يؤخذ إلا عن توقيف ... فإن لم يرد فيه توقيف علمنا أن الله تعالى أراد لمصلحة استأثر بها ألا يطلع عباده على غيبه" [النكت والعيون: 36 ـ 37].

وأخيراً يقال إن تكلف الوصول إلى معرفة ليلة القدر قريب من ذلك لأن الله تعالى قد حجبها عن الناس لحكم كثيرة معلومة، وقد ورد عن الصحابة تحديد لها ولكن ليس من هذا السبيل وإنما بسماعات عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والله تعالى أجل وأعلم ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير