تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مرهف]ــــــــ[20 Oct 2006, 08:21 ص]ـ

جزاك الله خيراً أخانا فهد على ما تقدمت به من هذا البيان، ولكن أود التعقيب بأن ما تفضلتم به عن إشارات تفاسير الصوفية هي من قبيل القياس كما نقلتم ذلك عن ابن تيمية رحمه الله فهذا ليس في كله وليس في غالبه، فأنتم تعلمون أن من أنواع الدلالات في مباحث الكتاب التي يتطرق لها الأصوليون في علم الأصول: إشارة النص، وإشارة النص هي الدلالة التي ليست مرادة أصلاً من سياق النظم القرآني وإنما مأخوذة من فحوى الخطاب من بعض جوانبه أو من منطوق الخطاب بدلالة الاقتضاء من جوانبه الأخرى، وعلى كل حال هل هذه الإشارات من القياس أم لا فعمل الأصوليون لا يدل على أنها من القياس، وربما يكون لها مدخل في ذلك من بعض الوجوه والله أعلم.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى أذكر أن ابن عطية رحمه الله يذكر الأعداد من ملح التفسير وليست هذه الأعداد من المرجحات في التفسير، ولا من قرائن الاستدلال، وإني أعجب أشد العجب ممن يركز على ليلة السابع والعشرين من رمضان في إحيائها على أنها ليلة القدر، فإن كان تعيينها غيب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة فكيف يستدل البعض على أنها ليلة السابع والعشرين اعتماداً أو استئناساً من الأعداد!!

ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[20 Oct 2006, 08:52 ص]ـ

أخي الكريم مرهف وفقه الله ...

دلالة الإشارة الأصولية مختلفة تماماً عن التفسير الإشاري الصوفي وللتوضيح:

فإن الإشارة في اللغة:

التلويح بشيء يفهم منه ما يفهم من النطق، وأشار وشوّر: أومأ. يكون ذلك بالكف والعين والحاجب. وشور إليه بيده: أي أشار. [انظر: الصحاح: (2/ 704)، لسان العرب: (4/ 436 ـ 437)].

وأما في الاصطلاح:

فقد اختلفتْ عباراتُ الأصوليين عند تعريف هذه الدلالة ولكنها تتفق من حيث المعنى في بعض النقاط:

ويمكن تعريف دلالة الإشارة بأنها:

" دلالةُ اللفظِ على حُكْمٍ غيرِ مقصودٍ، ولا سيقَ له النَّصُّ، ولكنه لازمٌ للحُكْمِ الذي سِيْقَ لإفادته الكلام" (مذكرة أصول الفقه للشنقيطي: (236)، وتفسير النصوص لمحمد أديب صالح: (1/ 478)، وأمالي الدلالات لابن بيّه: (117)).

وقال الغزالي (ت: 505 هـ): " ما يتبع اللفظَ من غير تجريدِ قصدٍ إليه " [المستصفى: (2/ 83).المستصفى: (2/ 83)].

وقال الشنقيطي (ت: 1393 هـ): " دلالة اللفظ على معنى ليس مقصوداً باللفظ في الأصل، ولكنه لازم للمقصود، فكأنه مقصود بالتَّبَعِ لا بالأصل " [مذكرة أصول الفقه: (236)].

وعند التأمل في تعريف هذه الدلالة عند العلماء يتبين أنها تحمل الصفات التالية:

الأولى: أنها دلالة نظمية: أي أنها مستقاة من نظم اللفظ.

الثانية: أنها دلالةٌ غير مقصودة للمتكلم بهذا النظم.

الثالثة: أنها تدل على المعنى من جهة اللزوم العقلي، فلابد من تلازم عقلي بين المعنى المستنبط وبين النص، وعلى ذلك إن لم يوجد هذا التلازم فلا يصح كون المعنى مستنبطاً بدلالة الإشارة كما هو الشأن في كثير من استنباطات الصوفية أو ما يسمى بالتفسير الإشاري.

وحتى يتضح المقصود من هذه الدلالة فإنه يمكن التمثيل لها بما يلي:

قوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين) [البقرة: 236].

فهذه الآية سيقت لبيان أن طلاق الزوج قبل الدخول وقبل أن يفرض لها مهراً في عقد الزواج ـ بأن كان العقد خلواً من تقدير المهر ـ هو طلاق مشروع. وهذا هو المعنى المأخوذ بعبارة النص.

وأما ما يستنبط بدلالة الإشارة: فهو أن عقد الزواج يصح بدون ذكر المهر أصلاً.

ووجه الاستنباط: أنه لا يصح الطلاق إلا بناء على زواج صحيح قائم.

وبيان التلازم هنا: أن الله أباح الطلاق لمن لم يسمِّ المهر ولم يذكره، وإباحة الطلاق تستلزم وجود زواج صحيح، فيستنبط من ذلك صحة عقد الزواج بدون ذكر المهر أصلاً.

مثال آخر:

قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) [البقرة: 187].

فالنص القرآني يدل بعبارته على إباحة الاستمتاع والأكل والشرب في كل جزء من أجزاء الليل.

ويستنبط منه بدلالة الإشارة صحة صوم من أصبح جنباً من الوطء.

ووجه الاستنباط: أن هذا المعنى لازم للمقصود به من جواز جماعهن بالليل الصادق على آخر جزء منه.

قال الشيخ الأمين (ت: 1393 هـ) في وجه الاستنباط: " لأن إباحة الجماع في الجزء الأخير من الليل الذي ليس بعده ما يتسع للاغتسال من الليل يلزم إصباحه جنباً " [مذكرة أصول الفقه: 236].

ثم نعود فنقول: إن من أهم الشروط للمعنى المستنبط أن يكون بينه وبين اللفظ المستنبط منه ارتباط.

ومعنى ذلك: أن يكون المعنى المستنبط قد اسْتُخْرِجَ بطريق صحيح، فيكون بينه وبين لفظ الآية ترابط، وذلك بأن تدل عليه الآيةُ بأحد وجوه الدلالة أو بقاعدة من قواعد الاستنباط الصحيحة.

وعند اختلال هذا الشرط فإنه يحكم بعدم صحة ارتباط المعنى بالآية التي استخرج منها ولو صح هذا الاستنباطُ من طريق آخر.

ولذلك نجد عدداً من المفسرين يؤكد صحة المعنى المستنبط، ولكن بعدم ربطه بالآية التي استخرج منها، بل بربطه بدليل آخر، ومن ذلك ما قاله ابنُ عطية (ت: 541 هـ) معلقاً على ما حُكِيَ عن الخليل بن أحمد (ت: 170 هـ) من أن النهار من طلوع الفجر بدليل قول الله تبارك وتعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار) [هود: 114] قال: "والقول في نفسه صحيح وقد ذكرتُ حُجَّتَه في تفسير قوله تعالى: (واختلاف الليل والنهار) [البقرة: 164]، وفي الاستدلال بهذه الآية نظرٌ" [المحرر الوجيز: 168].

ولذا فإنَّ تَكَلُّفَ رَبْطِ المعنى بالقرآن ـ ولو كان المعنى صحيحاً في نفسه ـ خطأٌ في الاستدلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت: 728 هـ): "وأما الذين أخطؤوا في الدليل لا المدلول: فمثل كثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء، يُفسِّرون القرآن بمعانٍ صحيحة في نفسها؛ لكن القرآن لا يدل عليها" [مقدمة في أصول التفسير: 82].

والحديث في هذا طويل والله الموفق للصواب ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير